من هو اليوم على حق ؟

يمكن القول ان مسلمي العالم، وإن بشكل عام، يعتقدون بأنهم الفئة الأفضل، وأنهم على صواب وبقية العالم على ضلال! وقد نقبل بهذا المنطق لو كان المسلمون متفقين على رأي أو موقف واحد أو يعيشون بأسلوب حياة متشابه، ولكن الواقع غير ذلك تماما، فمن الواضح أن الكل يخطئ ويؤثم ويكفر الكل، فمن على حق إذا؟ ولو نظرنا للحركة السلفية، أو الدينية المتشددة الأخرى، والتي يعتقد أتباعها أنهم الأكثر وضوحا وتمسكا بأهداب الدين والأكثر تعبيرا في معاشهم ومعيشتهم بالسلف الصالح، ان كان لما قبل أكثر من 1400 عام، فإننا نجدهم الأكثر فشلا وارتباكا في مواجهة ما تمثله الحياة العصرية من تعقيدات وتحديات صعبة، فلا هم قادرون على التكيف معها، ولا طبعا بالتغلب عليها، ولا عبرة هنا بالنوايا الحسنة! وبالتالي نجد أن لا فضل لأحد على الآخر إلا بقدر ما يعطي العالم من خير، ومن منطلق هذا المعيار فإن الغرب، الكافر من وجهة نظر غالبيتنا، هو الوحيد الذي أعطى البشرية الافضل منذ أكثر من قرنين، ولا يزال يعطي العالم الأفضل في الغذاء والدواء والعلم والعلاج والتعليم والمواصلات والتنمية بشكل عام، وهنا يصبح من الصعب الإيمان بأن فئة لم تقدم للعالم، حتى الآن، سوى الخراب والدمار والكراهية والتعصب، هي الأفضل، كما توهم أدولف هتلر، بأن جنسه أو دينه او مذهبه هو الأفضل، فمن يعتقد بذلك يعش في ضياع ووهم كبيرين وحتما لا يعرف ما يجري حوله، وعاجز عن التعامل بإنسانية مع بقية البشر. كما يعتقد البعض من أتباع السلف، من الذين بنوا أوهامهم على رمال متحركة، بأنهم قادرون، بعميق إيمانهم، على إلغاء منطق التاريخ الذي لا يسمح بتكرار احداث معينة مرتين بالأسلوب والطريقة ذاتها، خاصة بعد مرور أكثر من الف سنة عليها، ولا يعترف بوجود حقائق ثابتة يمكن بناء مواقف متشددة عليها! فنظرا لكون الأفكار السلفية متنوعة الأشكال، دينيا وعرقيا وقبليا، فقد تتحول اختلافاتها في لحظة من الزمن لصراعات حادة بينها، لاعتقاد كل طرف بأنه القابض الوحيد على جمرة الحقيقة، والممثل الشرعي الوحيد للأمة الصالحة أو للفرقة الناجية منها. وبصيغة أخرى نقول إن السلفي، أو أي متشدد ديني، أيا كان مذهبه وجماعته، لا يقوم في الحقيقة بمحاورة أحد، فهو يؤمن إيمانا أصم وأعمى بأنه أفضل من غيره في كل شيء، حتى لو كان هذا الغير أكثر علما وإنجازا علمياً منه، فالمجتمع الديني المتشدد بشكل عام، لا يؤمن بالحوار، فالحوار يعني أن وجهة نظر أحد المتحاورين قد تكون على خطأ، وهذا لا يجوز في فكر هؤلاء، وبالتالي فإن كانوا لا يؤمنون بالحوار أصلا فكيف يقبلون بالديموقراطية ويشاركون في انتخاباتها ومجالسها؟
* * *
● ملاحظة: كنا ليلة أمس الأول في سهرة على شاطئ لبناني، عندما كبست علينا «شتوية» استمر هطول أمطارها لأكثر من ساعة، ونحن في أواخر شهر يونيو! في الوقت الذي كانت فيه بقية دول المنطقة تشتعل درجات حرارتها، سياسياً وطبيعياً! هذا هو لبنان، وهذه روعته، وسر جماله الأبدي.

الارشيف

Back to Top