البصير ومساعد العازمي

بمناسبة رفض أو تردد الكثيرين في أخذ طُعم الكورونا، انتشر مقطع مقابلة قديمة للأديب المرحوم «عبدالرزاق البصير»، ذكر فيه أن الجدري هو سبب إصابته بالعمى، عندما اجتاح الكويت الوباء في ثلاثينيات القرن الماضي، عندما كان صغيراً. وكيف أن والده رفض تطعيمه، بحجة أن رجال الدين نصحوه بترك الأمر للقضاء والقدر!
***
عانت الكويت من أوبئة عدة، قبل أن تعصف بها والعالم الكورونا. ولا تزال نسبة كبيرة من المواطنين، وبينهم «دكاترة» من أصحاب الشهادات الخرطي، ويتبعهم ملايين الغاوون، يحذرون من أخذ اللقاح المضاد للكورونا بحجج واهية، لا تختلف عن حجج رجال الدين الذين أفقدوا البصير بصره!
***
اجتاح وباء الكوليرا الهند عام 1865، وتسبب في قتل الملايين، ومنها انتقل لدولنا عن طريق قوارب صيد اللؤلؤ، ولم يعرف بالدقة حجم الضحايا والمصابين في الكويت، ولكنها كانت كبيرة.

كما انتشر فيها مرض الجدري عام 1891. وعاد وأصابها ثانية في بداية ثلاثينات القرن الماضي، وهي الفترة التي أصيب فيها البصير بالجدري، حيث فقد أكثر من 3000 حياتهم، بخلاف من أصيبوا بعاهات دائمة.

كانت الكويت حينها دولة صيادي سمك فقيرة، فمن الذي كان يقوم بعملية التطعيم حينها، والحكومة كانت أكثر فقراً من الشعب نفسه؟

تبيّن بالبحث، ومن خلال مصادر صديق، أن الرأي الراجح أن الشيخ الأزهري «مساعد العازمي»، كان هو الذي يقوم بعملية التطعيم مقابل أجر بسيط. وكان العازمي قد تعلّم إعطاء اللقاح على يد طبيب مصري أثناء دراسته في الأزهر عام 1885.

وتقول المصادر أيضاً إن الناس كانوا يصفون من يعطي الطعم المضاد بالمشعوذ، ولا تزال الصفة، وبعد مئة عام، يطلقها المشككون في لقاح الكورونا على من يصرون على وقاية ومعالجة الناس من الكورونا.

كما ورد في مصادر أخرى أن مساعد العازمي ذهب إلى الهند واشترى اللقاح، وتوقف في طريق عودته في اليمن، ومن بعدها ذهب لـ«رأس الخيمة»، حيث رحب به حاكمها، الذي شك في قدراته في البداية، ولكن نجاحه في علاج الكثيرين، أعاد ثقة الحاكم به.

عاد العازمي للكويت بعدها، واتخذ من بيته في فريج (محلة) العوازم عيادة لإعطاء لقاح الجدري لمن يرغب مقابل مبلغ ضئيل، فمهنته كرجل دين لم تكن تكسبه الكثير.
***
الغريب والمؤلم أن يكون «مساعد العازمي»، وقبل 90 عاماً، أكثر انفتاحاً واستنارة من الكثيرين بيننا، وبينهم حاملو شهادات عليا، ومن المعالجين الجدد بالأعشاب والأدعية وغيرها. كما يعارض عدد من أساتذة جامعة الكويت، ومن قادة الرأي في المجتمع، تلقي اللقاح بحجج واهية، متخوفين من أعراضه الجانبية.

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top