الباراشوت الذي يحوم فوق الهيئة
زارني مفتش مواد غذائية من بلدية الكويت قبل سنوات، عندما كنت أتعامل بتلك المواد.
استغرب المفتش الشاب من طريقة ترحيبي به، وربما شك في نواياي، فبيّنت له، بعد أن انتهى من جولته على المخازن والبرادات، بأنه «عينّي» على الأطعمة والأغنية التي أتناولها وأبنائي.
فبالرغم من أنني أتاجر بعشرة أو عشرين صنفاً من المواد الغذائية، و«قد» استفيد من بيع التالف منها، إن غض نظره عنها مقابل رشوة صغيرة، فإنني أستهلك أضعاف أضعافها من منتجات غيري. وبالتالي هو الرقيب على ما نستهلكه من مواد، وأن عليه عدم التهاون في أداء مهمته، وألا ينجرف مع أي إغراء مادي، فالمواد الغذائية المنتهية الصلاحية أو الفاسدة التي يمررها أو لا يأمر بمصادرتها، مقابل رشوة، قد تنتهي ببطنه أو ببطن فرد من أسرته بعدها بأيام، وليس بإمكانه التحكم في الأمر. وعندما تتدهور صحته نتيجة تناولها، فالمئة دينار التي قبضها لن تنفعه في شيء!
***
أقر قانون إنشاء هيئة الغذاء والتغذية، باسمها المربك، بعد تأخير غير مبرر امتد لعشرات السنين.
أصبحت الهيئة ضرورية مع ازدياد الغش والتلاعب في إنتاج وتعبئة وتخزين المواد الغذائية، محلياً وعالمياً. فما نضعه في بطوننا له تأثير مباشر وخطير على صحتنا العقلية والجسدية والنفسية، خصوصاً أن الغش في ما يضاف من مواد لأي منتج غذائي تحت بند «محسنات أو ألوان أو مشهيات» أصبح مقلقاً، وعالم إجرام دولي قائماً بذاته.
***
استقال قبل أيام رئيس مجلس إدارة هيئة «الغذاء والتغذية»، ومديرها العام، وشغر منصبه الخطير والحيوي. فبإمكان من يتولى هذا المنصب تحقيق ثروة لنفسه، والمرض له وغيره، إن أساءت الحكومة الاختيار، وتركت القوي الأمين والكفؤ لإدارة هذه الهيئة، واختارت الفاسد وغير المؤهل الذي فرضه نائب أو نواب عليها.
من المهم بالتالي تحري الدقة الشديدة في اختيار الشخص البديل، وأن تتجنب الحكومة الجديدة، والمهلهلة أصلاً، تعيين رئيس لها بالواسطة، أو الباراشوت، فالمسألة حساسة ولا تتحمل «المزاح» أبداً، فصحة شعب كامل يجب ألا تكون مجالاً للترضيات وشراء الولاءات.
***
تعتبر الدكتورة ريم الفليج، نائب المدير العام، واحدة من أفضل الكفاءات في مجالها، وهي تدير الهيئة بالإنابة. كما لا تقل عنها الدكتورة ذكرى بهبهاني، نائب المدير العام، كفاءة وخبرة، ويجب ألا يتم تعيين الرئيس والمدير العام الجديد من خارج الهيئة، وإن حدث، فسيكون بحكم الكارثة، فنياً وأخلاقياً وإدارياً، ومعناه «لا طبنا ولا غدا الشر»!
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw