الألوسي وأبو زرافة
كان هناك عراف عراقي يعيش في لندن في ثمانينيات القرن الماضي، وكانت سيدات المجتمع في الخليج بالذات من كبار زبائنه، فإيمان النساء في مجتمعاتنا واستعدادهن لتصديق أي شيء أكبر، لأن كم الظلم الواقع عليهن... أكبر.
***
دعاني صديق ظهر يوم صيف عام 1985 لتناول الغداء معه في كازينو لندني شهير. كانت طاولة طعامنا قريبة من طاولات الروليت، وكان الكازينو خاليا تماما من الرواد.
دخل رجل بملامح شرق أوسطية، ولم يكن وجهه غريبا علي، واتجه، ببدلته السكرية وحذائه الأسود اللماع، وقميصه الأحمر، مباشرة لطاولة القمار ورمى عليها ربطة كبيرة من الجنيهات، تبعتها أخرى وأخرى، وخلال دقائق خسر كل ما كان معه، وخرج دون أن يلتفت لأحد.
***
دفع الفضول مضيفي لسؤال أحد موظفي الكازينو عن هوية ذلك الرجل، فقال له انه الساحر أو قارئ الطالع المعروف «الألوسي»، فتذكرت حينها أنني رأيت صورته في أكثر من مطبوعة، وعلى أعمدة الإنارة وداخل كبائن الهاتف في لندن.
كانت مكاسبه من «قراءة البخت» كبيرة، ولكن، كما يقال، ما يأتي بسهولة يذهب بسهولة easy come easy go وليس هناك مكان أفضل من كازينو القمار لمضاعفة ما تكسب أو غالبا خسارة كل ما تملك!
السخرية كانت في أن من كان يقرأ طالع الناس، وحظوظهم، كان فاشلا تماما في قراءة طالعه، وعلى أي رقم يجب أن يغامر أو يقامر!
***
تذكرت قصة الألوسي وأنا اقرأ قصة «المفكر والدكتور والاقتصادي الكبير» الذي اقام دعوى قضائية ضد مصرف سوسيتي جنرال في بيروت بسبب قيام البنك بحجز ودائعه التي تقدر بعشرات ملايين الدولارات، كغيره من مئات آلاف المودعين لدى البنوك اللبنانية.
بعد مرور ثمانية أشهر على الدعوى، يبدو واضحا أن المفكر الدكتور خبير قراءة المستقبل، الذي سبق أن تنبأ بوقوع الحرب العالمية الثالثة، وفوز ترامب بالرئاسة، وشن أميركا الحرب على إيران، فشل تماما في معرفة ما ستتعرض له ملايينه من «نهب» نتيجة إيداعها في مصارف دولة لم يكن يصعب على من يدعي العلم والمعرفة بالمستقبل معرفة حقيقة وضعها المالي!
فهل هو ألوسي آخر؟
***
يحكى أن مواطنا أراد في سبعينيات القرن الماضي توظيف محاسب، فتقدم له ثلاثة من جنسيات مختلفة.
بعفويته، طرح عليهم سؤالا عن سعر الدولار؟
فأجاب الأول: السعر يتحدد من خلال معرفة هل الأمر شراء أم بيع!
أما الثاني فأجاب بأن السعر يتحدد حسب الكمية. فسعر المليون غير سعر عشرة دولارات!
أما الثالث، فأجاب: إنته عاوزه كام؟
وحسابات مكتب تدقيق «صاحبنا»، في السبعينيات والثمانينيات، كانت تتم، من واقع تجربة شخصية، على نفس الأساس، أي «إنته شو بدك»؟
وقد تسبب ذلك في فقد الكثير من المستثمرين الأبرياء لمدّخراتهم، لأنهم صدّقوا ميزانيات الشركات المساهمة التي كانت تصدر من ذلك المكتب، وتبين تاليا أنها كانت «خرطي»!
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw