الزرقاوي ونوال السعداوي

توفيت الطبيبة والكاتبة المصرية نوال السعداوي قبل أيام عن تسعين عاماً، تاركة وراءها إرثاً أدبياً وأخلاقياً واجتماعياً لا يمكن تجاهل آثاره الإيجابية على مجتمعاتنا المتخلفة.
***
بالرغم من المنجزات والآثار المهمة لهذه السيدة الرائعة، التي استمتعت شخصياً بقراءة الكثير منها، فإن اللعنات لاحقتها بعد موتها، وكأن ذلك سيغير الحقيقة، فجميع مبدعي هذه الأمة من الرازي وحتى محفوظ مروراً بابن رشد وابن الهيثم والمعري والمئات غيرهم لحقتهم اللعنات بعد مماتهم، لأننا شعوب تكره العلماء والمبدعين الحقيقيين، وتقرب الكذبة المتزلفين، ومن لعنوها كانوا من هذه الفئة التي تشبه تلك التي «ترحمت» على الزرقاوي وملا عمر ومجموعة أخرى من القتلة من مختلف المذاهب الإسلامية، وغيرهم الذين عاثوا فساداً في مختلف دولنا على مدى عقود، وأسهموا في إغلاق المدارس، وطالبوا بحبس الفتيات في البيوت، وحرموهن من التعليم، واضطهدوا النساء، وخربوا الأمن، وقتلوا الآلاف، وتسببوا في جرح وضياع حياة الملايين غيرهم، وقضوا على اقتصادات دول، كل ذلك من أجل تحقيق أحلامهم الدموية ورؤاهم السوداء وتخيلاتهم، وقرارهم بضرورة «إدخال» الناس عنوة إلى الجنّة، التي يحلمون بحورياتها!
***
وجود نوال السعداوي في الحياة، ككاتبة وطبيبة ومفكرة، في جزء كبير منه كان لمحاربة أفكار هؤلاء القتلة. كما أنها لم تتردد في تكريس كامل حياتها في الدفاع عن حقوق الإنسان بشكل عام، وحقوق المرأة بشكل خاص، وهي مواضيع لا تعني شيئاً للمتطرفين القتلة والمجرمين، لأن مثل هذه الكلمات الرائعة لا وجود لها في قواميسهم.

ومن أقوالها إنها تحاول قول الحقيقة، ولكن الحقيقة متوحشة. وغرّدتُ تعليقاً على قولها بالتالي:

تقول المبدعة الراحلة نوال السعداوي «إن الحقيقة متوحشة ومؤلمة. فالأغلبية منا تكره سماعها لأنها تصفعنا على وجوهنا بحقيقة أوضاعنا، وتخلف عقلياتنا، ونفضل بالتالي عليها المجاملة والنفاق، خوفاً من خدش مشاعر الآخرين أو جرح أحاسيسهم، ولهذا سنبقى على وضعنا السيئ للأبد».
***
حصلت د. السعداوي على جوائز عدة، شرقاً وغرباً، واختارت «التايم» وضع صورتها على غلافها بمناسبة اختيارها بين أعظم 100 امرأة في القرن العشرين. كما تولت مناصب مهمة عديدة. وكان أول أعمال السعداوي الأدبية في عام 1957 وهو عن عبارة عن قصص قصيرة بعنوان «تعلمت الحب». أما أول أعمالها الطويلة، فكان «مذكرات طبيبة» عام 1958. ويعتبر كتاب «مذكرات في سجن النساء» (1986) من أشهر أعمالها.

صدر لها 40 كتاباً، وأعيد نشر وترجمة كتاباتها لأكثر من 20 لغة، وتدور الفكرة الأساسية لكتابات الدكتورة نوال حول الربط بين تحرير المرأة والإنسان من ناحية، وتحرير الوطن من ناحية أخرى في نواحٍ ثقافية واجتماعية وسياسية.
***
يصعب في هذه الأجواء المشحونة بأفكار التطرف، الاجتماعي والديني، تقدير قيمة هذه السيدة التي عملت لمصلحة بنات جنسها، وبذلت، ككاتبة وطبيبة، جهوداً كبيرة لوقف مختلف ممارسات العنف النفسي والجسدي بحقهن. ويكفيها فخراً أن حياة الفتاة، والمرأة المصرية، والعربية بشكل عام، من بعدها أصبحت أفضل بكثير مما كانت عليه.

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top