الحزب الذي كسب عقول الملايين وقلوبهم

قرر عدد من رجال الأعمال، وبعد التحرير مباشرة، فتح مستشفى على الطراز الأميركي وبتقنيات وخبرات أميركية.
للدعاية لفكرة المستشفى، وكنوع من العرفان لجهود أميركا في تحرير الوطن، قام أصحاب الفكرة بنشر إعلانات في مختلف الصحف عن مشروعهم وبينها أسماء و«صور» الشخصيات التي ستطلق أسماؤها على اجنحة المستشفى، وكانت لأطباء وممرضي وممرضات «المستشفى الأميركي»، الذي افتتح في الكويت عام 1911، وأغلق تاليا لأسباب خاصة.

نشر الإعلانات على صفحة كاملة لعدة صحف يومية، وبالألوان، وهذا أثار غيرة «الإخوان المسلمين»، فطلبوا من أصحاب المشروع نشر الإعلان نفسه في مجلة الحزب!

بعد تردد، والقليل من الضغوط، قبل أصحاب المشروع، وأرسلوا للمجلة الأسبوعية نص الإعلان.

برزت مشكلة «قومية واستراتيجية» خطيرة. فالمجلة الرصينة، لسان حال إخوان الكويت لا تقوم إطلاقا بنشر صور لسيدات، أيا كانت صفاتهن أو اهميتهن، من دون وجود «حجاب»!

هذه ليست نكتة، بل حقيقة وسبق أن كتبت عنها منذ ربع قرن، وأعدت الكتابة عنها ثانية قبل بضع سنوات، وهذه المرة الثالثة، ولسبب سيأتي ذكره تاليا!

***
أصر أصحاب المشروع على رأيهم بنشر الصور كما هي، خاصة أنها لشخصيات توفيت منذ عقود طويلة، إلا أن الإخوان أصروا على رأيهم، وبعد شد وجذب، توصل الطرفان لحل وسط، بحيث ينشر الإعلان وتوضع مربعات فارغة مدون تحتها اسماء الطبيبات والممرضات، وكان إعلانا مثيرا للسخرية.

***
بعد ثلاثين عاما تقريبا من حادثة الإعلان المضحكة، التي بينت مدى تواضع تفكير البعض، ومدى سيطرة المواضيع الجنسية على مخيلاتهم، بحيث تصوروا ان نشر صورة امرأة كبيرة في السن، توفيت قبل 40 عاما، يمكن أن يثير غرائز البعض إن لم تكن بحجاب، حتى لو كان فوتوشوب، قررت الحكومة المصرية نقل بعض مومياءات متحف القاهرة إلى متحف جديد خارجها، وكانت بينها مومياء لملكة فرعونية توفيت قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة، ونقلت صورتها كل تلفزيونات العالم.

أثار منظرها استهجان «وجدي غنيم» أحد عتاة دعاة الإخوان، المتشدد والمغرم بسفك الدماء ليصرح بالتالي:

شوف يا راجل الفجور، شوف الفجور.. هم بينقلوا مومياء لواحدة شعرها باين (أي ظاهر) فكيف يحصل ذلك يا أخي؟

***
نترك التعليق للقارئ، ونتساءل كيف تمكن حزب هذا أحد قادته من كسب عقول الملايين وقلوبهم، وبينهم شيء من حكومتنا الرشيدة؟

يقول المفكر الفرنسي «إتييان دو لا بويتي» في كتابه «العبودية الطوعية»: عندما يتعرض بلد ما لقمع طويل تنشأ أجيال من الناس لا تحتاج إلى الحرية وتتواءم مع الاستبداد، ويظهر فيه ما يمكن أن نسميه «المواطن المستقر».

في أيامنا هذه يعيش المواطن المستقر في عالم خاص به، وتنحصر اهتماماته في ثلاثة اشياء:

1.. الدين.

2.. لقمة العيش.

3.. الرياضة.

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top