مسؤولية المجتمع في جرائم القتل

كتبنا عشرات المرات عن الظلم الذي تتعرض له المرأة في مجتمعاتنا الذكورية، وما تلقاه من تعسُّف، وكيف تعامل بدونية نتيجة أعراف وتقاليد أو قوانين جائرة. وطالبت في مقال مايو 2020، بتعديل نص المادة 153 من قانون الجزاء المتعلِّق بمعاقبة من يفاجئ زوجته أو ابنته أو أمه أو أخته بمواقعة رجل، وقتلها في الحال وقتل من يزني بها، أو يواقعها، أو قتلهما معاً، يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز 3 سنوات، وبغرامة لا تتجاوز 3000 روبية، أو بإحدى هاتين العقوبتَين. وأضفت بأن هذا القانون صدر قبل 60 عاماً، وقعت خلالها أحداث عظيمة وتطورت البشرية اجتماعياً وإنسانياً لدرجة لا يمكن تخيل مداها وعمق تداعياتها، خاصة على وضع المرأة، التي أصبحت شريكة الرجل، وأدارت حروباً، وتحكمت في دول وتسلَّمت مناصب سياسية وعسكرية ومالية بالغة الأهمية والخطورة، لكن نص المادة 153 المتخلف بقي على وضعه، لانشغال مشرعينا بتوافه الأمور!
ثم تأتي مجموعة، لا أشكك في صدق نواياها، وتأثرها الصادق بجريمة قتل صباح السالم البشعة، وغير المبررة تحت أي عذر، لتطالب بإنهاء حياة المتهم بالقتل، حتى قبل محاكمته، متناسين أن «مجتمعهم» ساهم، قبل غيره، في قتل تلك الروح البريئة، يوم تجاهل وسكت عن كل ما كتب وأثير عن المهانات التي تتعرض لها المرأة في البيت والعمل والشارع، وكيف تعامل كمذنبة ومصدر خطيئة في جميع الأحوال، لأنها خرجت من بيتها!

إن جريمة قتل فتاة صباح السالم يجب أن تكون نقطة انطلاق لإعادة النظر في وضع المرأة ونظرة المجتمع الدونية لها في مجتمع ذكوري لا يحترم ولا يرحم المرأة، ويعتبرها البعض سبب كل الخطايا. فكيف يجوز قبول الحكم على من قتل أخته او ابنته أو زوجته بغرامة 225 ديناراً، لمجرد الشك ويخرج طليقاً، بعد أن أزهق روح أقرب الناس إليه، ولا ينطبق الأمر ذاته على المرأة عندما تقع على زوجها متلبساً بالزنا في فراشها، فأي منطق أو عقل أو شرع يقبل بهذا؟!

كما من الضروري الضغط التشريعي باتجاه إعطاء أهمية كبرى لشكاوى العنف الأسري، وهي بازدياد، فالمخافر عادة لا تعطيها غالباً أي اهتمام.

ومن الضروري أيضاً مساواة المرأة بالرجل في العقوبات كافة المنصوص عنها في القانون، فكيف يعاقب من يقتل والدته، التي حملته وولدته وأرضعته وربته سنين، بطعنة سكين أو برصاصة بحجة «الشرف التافهة»، وهو الذي لم يترك جريمة شرف حقيقية لم يقترفها، ثم ليخرج من السجن بعد بضعة أشهر، متباهياً بفعلته.

إنَّ التراخي في التعامل مع جرائم قتل «الشرف» يسري على غالبية الدول الإسلامية، والعربية منها بالذات، وهذا تسبب في وقوع جرائم قتل كثيرة، تبين بعدها براءة المجني عليها، كونها عذراء، وغير ذلك من الأمور. وبالتالي من الضروري الحد من مسلسل الدم، وتوجيه رسالة إلى كل عاقل ومشرِّع بضرورة تعديل المادة 153 من قانون الجزاء وغيرها من القوانين المسيئة إلى مكانة المرأة والظالمة بحقها.

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top