سموك.. طفح الكيل!
كما أصبح على البنوك تحويل كل أرصدة حسابات المقيمين، وخاصة الذين منعوا من العودة، بسعر صرف 3.5 دولارات للدينار بدلاً من 2.5.. ولكن!
كما قررت الحكومة حينها إسقاط جميع قروض المواطنين «الاستهلاكية» والعقارية، سواء للبنوك أو المؤسسات المالية الخاصة أو الشركات المساهمة أو بنك الائتمان، وكان بإمكانها التدرج في العملية، من خلال إسقاط بضعة أقساط بين الفترة والأخرى.. ولكن!
كما قررت الحكومة منح كل من بقي في الكويت، بصرف النظر عن جنسه أو عمره أو وزنه مبلغ 500 دينار، بسعر 3.5 دولارات ليسافر ويرفه عن نفسه، بعد معاناته.. ولكن!
كما ألزمت البنوك دفع فوائد ودائع الأفراد والشركات، لفترة أشهر الاحتلال السبعة كاملة، وبأية عملة كانت، وكان بإمكانها خصم %50 منها مثلاً.. ولكن!
كما قررت «الحكومة الكريمة» تحمّل أكثر من نصف ديون البنوك التجارية على المواطنين والشركات، ولم تكن مجبرة على ذلك.. ولكن!
كما قررت وقررت وقررت، وضاعت عشرات مليارات الدولارات ابتهاجاً بالتحرير، وبعدها بشهر واحد فغر المواطنون وأصحاب الشركات أفواههم متسائلين، باستنكار: ها.. خلاص.. ماكو بعد؟
تذكرت حينها إحدى نصائح ميكافيلي: إذا أردت أن تعطي فـ«بالغرامات»، وإن أردت أن تؤذي فـ«بالأطنان»!
* * *
مرت ثلاثة عقود ولن تكفي صفحات الجريدة للتطرق إلى ما حصل فيها من ضياع عشرات مليارات الدنانير هدراً، ولكن صار اللي صار، وكان العذر دائماً، «الخير وايد»!
* * *
ثم ضربتنا والعالم الكورونا، وأركعت اقتصادات الدول على ركبها، وانهارت أسعار البترول، ومع هذا استمر الهدر غير المبرر، واكتشفنا بين يوم وليلة أن احتياطيات الدولة قد تبخّرت، وأن الحكومة مجبرة إما للجوء، كالعادة، للسحب من احتياطيات الأجيال القادمة، أو الاقتراض من السوقين المحلي والدولي لمواجهة متطلبات غول الرواتب وبقية مصاريف الدولة الباهظة، وحاجتها الماسة إلى أكثر من 70 مليار دولار.
وفي خضم كل هذا العجز، قررت الحكومة إهدار ما يقارب خمسة مليارات دولار «على أمور لا هي بالمهمة ولا الضرورية ولا المستعجلة»!
وللتلاحق على آخر تلك الدفعات، والمتعلقة بفضيحة دفع 600 مليون دينار (ملياري دولار) للصفوف الأمامية، فإننا نهيب بسمو رئيس الوزراء، ومن أعماق قلوبنا، أن يوقف صرف كشوف مكافأة الصفوف الأمامية، فهي كذبة كبرى وفضيحة جلّى، ويجب ألا تمر، فالسماح بها لا يعني فقط سرقة أموال الدولة بل وتخريب «ذمة وتقوى» عشرات آلاف المواطنين الذين سيحصلون عليها من دون وجه حق، بل ستكون حتماً القشة التي ستكسر ظهر أي مؤمن بأن الكويت بخير وأن مستقبلها سيكون أفضل من حاضرها!!
يا سمو الرئيس، إننا جميعاً نتألم مع الدكتور الذي عمل متطوعاً لستة أشهر في مستشفى جابر، والذي رفض عرض «حفنة الدنانير» كمكافأة له، لعلمه بأنها ستضيع حتماً على التافه من الأمور، مطالباً، بدلاً من ذلك، بحقه في وسام من الدولة يفتخر به أمام أبنائه وأحفاده، إلى الأبد!
فهل ستشعر، يا سمو الرئيس بآلامه، وتلبي آماله؟
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw