اليعقوب وسارقو طفولة السنعوسي
موضوع هذا المقال ليس بجديد، ولكنه صالح طالما بقيت حكومتنا مصرة على مواقفها المتراخية من المتشددين من رجال الدين، وأثرهم السلبي في المجتمع!
***
كتب القاص المبدع سعود السنعوسي مقالاً قبل عامين، قال فيه:
عبر برنامج «صناديق العمر» الذي بثَّته «الراي»، تجاوبَ ضيفُ البرنامج الداعية الشَّيخ أحمد القطان عند عرض صورة للمطرب عوض دوخي، وكيف أنه معجب به، وان له نبرة خاصة و«هزَّة حنجرة»، ثُمَّ راح القطان يُغني محاكياً المطرب الدوخي، «يا أُمَّ عمر جزاكِ الله مكرمة.. رُدِّي عليَّ فؤادي أينما كانَ»! ثُمَّ عرج القطان في حديثه على مطربين آخرين، مُثنياً عليهم، وعلى أغنية «مرينا بيكم حمد»، التي يحفظ كلماتها. كما تحدَّث بحميمية عن طفولتِه في المرقاب ووالدِه عازف العود، وعن الفنان والممثل والشاعر بداخله، وكيف أنه يتابع المسلسلات والتمثيليات، وتكلم عن إعجابه بالفنان «عبدالحسين»، وكيف أضحكه كثيراً، لدرجة «قطَّع كبده من الضحك».
ويستطرد السنعوسي، بنبرة حزن واضحة، في مقاله:
وتتداعى الذكريات إزاء ذكر القطان لعبدالحسين، في خطبة نارية في أحد مساجد منطقة قرطبة في الكويت، تزامناً مع عرض مسرحيته «هذا سيفوه»، التي تم إيقاف عرضها بضغوط من القطان وغيره. يتذكَّر واحدنا نفسه طفلاً مشوّهاً، يُمسك بالقلم الحبر بكفٍّ وتذكرة المسرحية بصور أبطالها في كفِّه الأخرى، يشوِّه وجوه الممثلين بالقلمِ كراهيةً تحت تأثير الخطبة المجلجلة التي خلَّدتها أشرطة الكاسيت بصوت «القطان»!
ويقول السنعوسي: أنا لا أحمل للشيخ القطان إلا محبَّة قديمة (!!) وسلَّة ذكريات يملؤها الفزع وشعور مرير بالذنب، والسلَّة كانت تغص بكل ما شوَّه طفولتنا رُعباً، وقتَ قامَ بتأليب آبائنا وتحذيرهم وبث القلق في نفوسهم بشأن الغناء والفن والدراما، زمن أشرطة الكاسيت «الصَّحوي»، والتحذير من وحوش «العفن الفني»، ودعوته للآباء لتفتيش غرف نومنا وحقائبنا المدرسية خشية تسلُّل شريط كاسيت غنائي أو فيديو لفيلم ما.
فكم «قطَّعتَ أكبادنا» حسرةً يا شيخ أحمد، والواحد فينا، طفلاً، يستلُّ الشريط البُني من حافظته السوداء، يُقطِّعه ويكوِّمه على الأرض تقرُّباً إلى الله، كما لو كانت صلواتنا البريئة وعباداتنا منقوصة بسبب ذاك الجُرم.
وها نحن اليوم جيل الثمانينات، على وجه الخصوص، نتأرجح بين زمانين، لا ندري أيُّهما زمان الصَّحوة وأيُّهما زمان الغفلة؟!
ويختم السنعوسي مقاله بألم واضح قائلاً: أسألك بالله.. «يا شيخ أحمد، جزاك الله مكرمة.. ردَّ عليَّ زماني أينما كان!».
وهو هنا يلوم القطان الذي أضاع طفولته وخرب براءتها، وأنا هنا أشاركه في تحميل أمثال هذا الداعية مسؤولية التخريب العقلي الذي تعرّض له الكثيرون، شيبا وشبانا، ولكني ألوم الحكومة أكثر، فلولاها لما وجد هؤلاء من يستمع لهم، فالناس على دين ملوكهم. فهؤلاء دعاة أغلبهم متكسبون، ومن الباحثين، كغيرهم، عن الثراء والسمعة والمكانة الاجتماعية، ووجدوا حكومة تقبل بهم شريكاً وحليفاً، على مدى أكثر من نصف قرن، فتحت خلالها أذرعها لهم وفرضتهم على كل وسائل إعلامها، وفتحت لها مسارح ومدرجات مدارس البنات والأولاد ليثخنوا سفكاً بأفكارهم وعقولهم، مخربين كل نفس بريئة من كل فن ونغمة جميلة أو مسرحية أطفال، أو حتى النظر للوحة أو تمثال!
***
إن سرقات المال العام جريمة كبرى بحق أي شعب، وغالباً ما يمكن التعرف فيها على الجاني. ولكن من سرقوا أحلام الأطفال وخربوا عقول الشبيبة وهدموا بيوت من أرسلوهم لحروب ومعارك عبثية، لا يمكن الوصول لهم، وإن تم ذلك فلا يمكن أن ينالوا عقابهم. كما أنهم على استعداد في أية لحظة للعودة لسابق تخريبهم.
***
ملاحظة: بعد انتظار طال، وغير فعال، قررت حكومتنا «الرشيدة» تعيين الأستاذ «علي اليعقوب» وكيلاً لوزارة التربية.. و«التعليم»!!
نقول «مبروك» للأمة على هذا التعيين.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw