يا من تقصدون جيرتها
منذ شهرين تقريباً وأنا أقضي إجازة ممتعة في لبنان، ومنه قمت بزيارة القاهرة، حيث استضافني صديق كريم، والقاهرة، إضافة لبيروت، لا ينصح بزيارتهما، ولكني استمتعت بوقتي فيهما جدا، وأدركت أننا نميل لتكبير الأمور، خوفا من المسؤولية. وكان من المقرر أن نقوم، زوجتي وأنا، بزيارة القدس، ولكن سلطات الاحتلال الإسرائيلية لم تصدر لنا تصريح الدخول بسبب توتر الأوضاع، وضاعت منا فرصة المشاركة في احتفالية القدس بالدخول في قائمة غينيس للأرقام القياسية لأكبر مائدة طعام «أورغنك» طبيعية، وفي تظاهرة سلمية ضد محو هوية القدس العربية! المهم في الموضوع أن كل هذا التخوف أمر محير، فليس هناك اليوم ضمان من الوقوع في خطر أو حتى التورط في زحمة سير في أي من مدن العالم التي تصنف بالآمنة، فالأمان أصبح نسبيا حتى في ما نأكل ونشرب، وبالتالي لا مجال لمعرفة من أين يأتينا الخطر لنحتاط منه ونتجنبه! فمئات آلاف سائحي الخليج وغيرهم من لبنانيين وعرب كانوا يعتقدون أنهم سيقضون صيفية جميلة في لبنان عام 2006، وفاجأت إسرائيل الجميع بهجومها على لبنان، كرد فعل على قيام حزب الله بخطف اثنين من جنودها من داخل حدودها ورفض اطلاق سراحهما! وبالتالي لو أنني، بناء على ما حدث في تلك السنة، قررت الامتناع عن زيارة لبنان «لخطورة أوضاعه»، لبقيت ربما إلى الآن، أعاني من الخوف وأحرم نفسي من الاستمتاع بجمال لبنان وضيافته الرائعة وهواء جبله الصحي وكرم اهله وطيب فاكهته، وهنا نتكلم عن خمس سنوات، بانتظار أن تهدأ أحواله، وهي لن تهدأ، فهذا قدر لبنان المريض بأمراض عدة والذي لن يشفى منها أبدا، ولكنه، وبفضل كل أجهزة الدعم، محلية وعالمية، يمتلك خاصية البقاء حيا للأبد، بأهله وجباله وجماله! ولو قارنا أوضاعه الأمنية بغيره لوجدنا الفارق، فقد تعرضت شخصيا لمشاكل وسرقات في لندن ومدن برازيلية وأميركية عدة، وبإمكاني القول، ومن واقع تجربتي الشخصية، انني وطوال 56 عاما، لم يتم يوما توقيفي أو مضايقتي أو تورطي في أي حادث أو مشكلة او حتى خناقة أو سوء فهم خطير في لبنان بالرغم من طول فترات إقامتي فيه، وبالتالي لست على استعداد، بعد كل هذه التجربة الممتعة والثرية، أن اسمح للخوف بأن يحكمني ويمنعني من الاستمتاع بما تبقى من حياتي، فالحياة قصيرة ويجب ألا نجعلها أكثر مللا بالتردد من صعود الجبال. فيا محبي لبنان اتركوا مخاوفكم جانبا، وتعالوا لأحضانه، فليس في طبع الليالي الأمان، ولا تنسوا وأنتم في الطائرة أن تغنوا معي ومع فيروز، يا قمر مشغرة، ويا جارة الوادي طربت، ويا أرضك غنيه وبيوتك رضية وعجبالك العز راية عليي. ويا ساحر العينين يا حلمنا أسأل في الحيين عن دربنا. ويا كرم العلالي عنقودك لينا، يا حلو يا غالي شو بحبك أنا!