سجادة المدير وصحن الآش
وضع الرجل الثري قدمه اليمنى على صندوق دهان الأحذية، وفتح جريدة وول ستريت لقراءتها، ليقوم ماسح الأحذية بعمله.
كان صباح يوم جميل في نيويورك، مانهاتن، والمكان غير بعيد عن البورصة، التي كانت يومها في أوج صعودها.
بينما الرجل منهمك في القراءة، بادره ماسح الأحذية بسؤال عن مدى إمكانية ارتفاع ثمن سهم محدد. بهت الثري من السؤال، وعرف منه أنه يضارب بمدخراته في البورصة. لم يعطه إجابة قاطعة، ولكن عندما عاد لمكتبه طلب من وكيله تصفية محفظته من الأسهم، قائلاً: عندما يدخل ماسحو الأحذية في مجال غير مجالهم فالانهيار قادم!
***
دخلت قبل أربعين عاماً مبنى أحد البنوك، فوجدت طابوراً بانتظار مصعدين، أما المصعد الثالث فكان خالياً ومحجوزاً لجناب رئيس مجلس الإدارة، الذي ربما لا يستعمله لأكثر من 5 دقائق يومياً.
أنهيت معاملتي وعدت للمكتب، وأرسلت كتاباً للبنك أطلب فيه إغلاق حسابي، فبنك يتصرف رئيسه بتلك الطريقة الخالية من الاحترام لزبائن البنك لا يستحق التعامل معه!
لم أمتلك يومها أسهماً في ذلك البنك لأقوم ببيعها!
***
دخلت بالأمس إدارة حكومية مهمة، وصادفني منظر أعادني إلى تجربتي مع البنك، حيث كانت هناك أربعة مصاعد، أحدها مخصص للسيد المدير العام للإدارة، ويدار بمفتاح خاص وبداخله سجادة حمراء، ويوجد ما يماثلها خارجه، مع وجود من يهتم بتشغيل المصعد لجناب المدير.
دخلت المصعد لتفحصه من الداخل، فقفز «الحارس الخاص» من مكانه متوثباً! هززت رأسي، وأخبرته أنني فقط أتفحص المصعد من الداخل. وكان بالفعل نظيفاً ومراياه تلمع كالبلور المنثور، ورائحة «البخور» تعبق من زواياه الأربع، ينتظر بصبر أن يمتطيه «البيه»، وهذا سيأخذ منه دقيقتين، وما يماثل ذلك في النزول، بعد انتهاء الدوام... وسلامتك!
تقول الحكمة المدونة على بوابة قصر السيف «لو دامت لغيرك ما اتصلت إليك»! فهل سيبقى المدير مديراً إلى الأبد؟ فتكليفه سينتهي يوماً، وسيعود، كما يفعل الآن، وهو خارج عمله باستخدام مصاعد المباني الأخرى، مثله مثل غيره، ولن يفتقد رائحة البخور أو السجادة الحمراء، بل ستلامس قدماه أرضاً خشنة وروائح آباط من معه في المصعد، ولن يتأفف، فهذا كان وسيبقى جزءاً من روتين حياته، قبل الوظيفة وبعدها! وبالتالي ما سبب إصرار البعض على تخصيص مصعد لنفسه طوال أيام الدوام، وحتى في الأيام التي يتغيب فيها؟
وماذا لو اضطرته الظروف، كأن تشتهي حرمه، أو المعزبة، «طبق آش»، فهل سيرفض الوقوف في الطابور؟
***
إزالة هذا المنظر غير الحضاري لا يتطلب صدور قرار من مجلس الوزراء ونشره في «الكويت اليوم»، بل لـ«بعض الذوق» من هؤلاء المسؤولين، ورفضهم حركات مسح الجوخ هذه. علماً أن بإمكانهم إجراء اتصال هاتفي مع المكتب لحجز المصعد قبل وصولهم بدقائق، وتركه لبقية المراجعين بقية ساعات الدوام!
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw