حقوق الإنسان ومتحف الرسول
منذ إعلان مبادئ الثورة الفرنسية في يوليو 1789، وتكريسها عام 1948 من خلال «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان»، ومكانة «الإنسان»، والاهتمام بتعليمه ورفاهيته وحريته ودوائه وطعامه، تتزايد في كل النظم والدساتير والقوانين. وليس صعباً ملاحظة أن أكثر الدول تقدماً هي في الغالب الأكثر اهتماماً بمن يعيش على أرضها، سواء تعلق الأمر برفاهيته أو حرياته أو بقية احتياجاته. حتى الصين، التي كان الحزب الشيوعي فيها يحظى بالأهمية القصوى، وليس الفرد، اكتشفت أنها كلما زاد اهتمامها بحرية الفرد زاد إنتاجه وإبداعه.
***
ما الصورة التي سنراها إن ولينا وجوهنا صوب عالمنا التعيس، بتفرعاته الثلاثة، المغربي والأوسط والجنوبي؟
نجد، كما يقول اللبناني إن كل شيء «زفت» إلا الطرقات!
نجد أن كل شيء يتزايد سعره إلا الإنسان، فرفاهيته وصحته وكرامته في هبوط، وهي في آخر سلم الأولويات في الكثير من دولنا!
نجد أن سجون الأنظمة «الديموقراطية» أكثر شهرة من جامعاتها.. إن وجدت!
نجد أن الإنسان هو في آخر قائمة اهتمامات السياسيين، إلا في مواسم الانتخابات.. إن جرت!
وإن غالبية الأنظمة لا تضع وزناً لرأى المواطن أو رغباته، بعد أن سعت لتدجينه وإغراقه في بحر من الأوراق والمعاملات، والممنوعات والمحظورات، بحيث تضاءلت طموحاته لتنحصر في إيجاد «لقمة العيش»، وترسيخ القناعة لديه بأنه «لو جرى جري الوحوش، فغير رزقه ما يحوش»!
***
الفرق بيننا، أو بالأحرى بين الفلسطينيين وبين يهود إسرائيل، ليس في عدد الدبابات ولا قوة الطائرات ولا في الاعتراف الدولي، ولا في قوة الاقتصاد والديموقراطية، بل في ما يتمتع به الإسرائيلي من كرامة واحترام في وطنه!
فغالبية دولنا لا تعطي الإنسان حقه من الاهتمام، فكيف نتوقع ممن لم يكن له رأي على مدى ألف عام، في كل أمور السلم، وفي قرار من يحكمه وكيف يحكم وما حقوقه، أن يكون له رأي في قرار الحرب، ويذهب لها من أجل وطن لا رأي له فيه ولا كرامة ولا احترام لذاته؟
أسئلة عدة تبقى من دون جواب، ومع غيابها يستمر تقهقرنا ويزداد تخلفنا، ونسعى، في محاولة للتغطية على فشلنا، للجوء للغيبيات والتراث لكي نلهي أنفسنا والناس بها.
فكيف يمكن أن نصدق أن هيئة أنشئت منذ عشر سنوات لغرض طباعة القرآن، وتفشل في طباعة نسخة واحدة منه، ولا يسألها أحد كيف حدث ذلك، وأين صرفت عشرات ملايين الدنانير، ثم تقرر الحكومة بعدها حلها لفشلها الذريع، فتتدخل جهات مستفيدة من الفساد وتطيل عمرها، وتعدنا بأنها ستنجح وستطبع المصحف قريبا!! وفي أولى محاولاتها تفشل وتخرج نسخة مشوهة، وتحيل الأمر للتحقيق، لترفع المسؤولية عنها، ولتضييع «السالفة»!
ولإشغال «الجمهور» أكثر، يقرر وزير الأوقاف الهمام تكليف الهيئة الفاشلة نفسها الإشراف على مشروع إقامة أكبر متحف في العالم للرسول الأعظم.. في الكويت!!
عشرات الملايين من الدنانير ستهدر، ولن يضيف هذا المتحف، إن بني وإن تم الانتهاء من جلب مواده، شيئا لعقيدة المسلم الصالح، بل سيضيف الشيء الكثير لجيوب من هم وراء هذا المشروع.
***
إن خلق مواطن يمكن الاعتماد عليه لا يتم بغير احترام عقله.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw