داء الغباء ومرض التطرف
تعرض الاخوان المسلمون منذ نشأتهم لشتى أنواع المعارضة والحرب وحتى التصفية الجسدية، سواء في عهد الملك فاروق، أو في عهد عبدالناصر، الذي سجن شبابهم وأتباعهم، وصفى «مفكريهم» وقادتهم، كما فعل فاروق! كما شنت الحملات الإعلامية عليهم بغية تشويه سمعتهم ومنعهم من الانتشار، ووصفوا بالمتطرفين وبأنهم يدعمون الإرهاب. واستخدمت كل وسائل الكذب والافتراءات وتلفيق التهم بحقهم وشيطنتهم في الكويت ودول الخليج، والتضييق على كل من يمت لهم بصلة!
***
هذا لسان حال بعض عتاة الإخوان في الكويت، والمتباكين من الظلم الذي ينالهم دون امتلاك الشجاعة لذكر أسباب كل هذا العداء والكراهية لهم من قبل كل أنظمة المنطقة تقريباً، وسعيها للتنكيل بزعمائهم وتصفيتهم! والغريب أن هؤلاء الذين يتباكون اليوم على ما يتعرض له الإخوان من اضطهاد هم من سبق أن تبرؤوا من الإخوان بعد تحرير الكويت مباشرة من الاحتلال العراقي، وصرحوا بذلك في المقابلات التلفزيونية الموثقة، وعن قطع العلاقة بالإخوان بسبب الموقف الإجرامي المخجل لتنظيمهم العالمي من قضية تحرير الكويت (وطنهم) وتأييد كبارهم لصدام والوقوف معه علناً. وتمثلت قطيعتهم في إعلانهم تغيير اسم تنظيمهم السياسي دلالة على استقلاليتهم.
***
كما كذب أحدهم بادعائه أنني طالبت بطرد كل من يحمل فكر الإخوان من وزارة الاوقاف وبيت الزكاة، وذلك عندما شككت في الأسباب الكامنة وراء مقترح نواب الإخوان في البرلمان تحويل مبالغ زكاة الشركات المساهمة من المالية، كما ينص القانون، إلى بيت الزكاة. وهاجم الكاتب، وزميله الوصولي، موقفي من المقترح، غير مدركين، بسبب قلة عقليهما، أن مجرد اعتراضهما على اعتراضي يؤكد صحة ما ذكرت. فلو لم يكن حزبهما من المستفيدين «المحتملين جداً» من مقترح توجيه زكاة الشركات لبيت الزكاة، بدلاً من وزارة المالية لما غضبا من اعتراضي على مقترح النواب الثلاثة.. ويكاد المريب أن يقول خذوني!
أما إشارة بعضهم إلى أنني كتبت عن زكاة الشركات المساهمة، وعارضت فكرة توجيهها لبيت الزكاة، في الوقت الذي سكتّ فيه عن مصير مئات ملايين الدنانير من أموال الخمس التي تخرج من الكويت، ولم أطالب بمتابعتها ورصد مصيرها، خاصة مع انتشار أخبار أنها تذهب لدعم تيارات وأحزاب وميليشيات تابعة لدولة مجاورة وتعمل في العراق الشقيق، فهو السخف بعينه!
فبخلاف كذب هذا الادعاء، وتكرار تساؤلاتي عبر المقالات والمقابلات عن مصير أموال الخمس، إلا أنني اليوم أعتقد أن ما يجمع منها لا يزيد على بضعة آلاف من الدنانير سنوياً، ولا يستحق الأمر بالتالي الاهتمام بها. أما إذا كانوا يعتقدون أنها تبلغ مئات ملايين الدنانير، فما الذي منعهم، وهم بكل هذه القوة السياسية، ولديهم ثلاثة نواب في البرلمان، من توجيه الأسئلة للوزراء المعنيين، بدلاً من مطالبة فرد بسيط مثلي، بالكتابة عن الموضوع والبحث عما يتم جمعه منها وأين وكيف تصرف؟
علما بأن الزكاة على أرباح الشركات المساهمة ملزمة بحكم القانون، والخمس أمر يعود للفرد نفسه وغير ملزم لأحد، من الناحية القانونية. وما يجمع من زكاة الشركات يذهب للمالية ومن ثم لمصارف خيرية وتعليمية وعلمية معينة حددها القانون، ولا علاقة لبيت الزكاة بها. وعلى من يريد المصلحة العامة، وليس مصلحة حزبه، تركها كما هي من دون تغيير. وبالتالي لا وجه للمقارنة بين الزكاة والخمس، مع إيماننا التام، كما بينا في أكثر من مقال ومقابلة تلفزيونية، بضرورة قيام السلطات، وليس أنا، بفرض نوع من الرقابة على ما يجمع منها، منعا لإساءة استخدامها.
***
من الغباء الحكم على أي كاتب عمود واتهامه بأنه عنصري أو وصولي أو منحاز أو متطرف، ليس لأنه كتب عنها، بل لأنه لم يكتب عنها!
هذا بالضبط لسان حال من يتهمونني بالطائفية، ليس لأنني روجت لها أو دافعت عنها، بل لأنني لم أكتب منتقداً مسائل مثل الخمس مثلاً، فهذا طلب غريب وسخيف حقاً، فليس بمقدور أي كاتب تكرار أمور معينة عشرات المرات لكي يرضى فلان أو علتان عنه، ولا يتهمه بالطائفية. فمن تهجم لم يكلف نفسه مراجعة كل ما كتبه المتهم على مدى ثلاثين عاماً، بل اختار إلقاء الاتهامات الجزافية، فهي أسهل من البحث عن الحقيقة!
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw