دار الأوبرا في السكراب
في منتصف الستينيات، أخبرني زميلي في البنك أنه كلّف قريباً له بخطف جرو جارهم، الصغير الحجم العالي الصوت، الكثير النباح، وإراحتهم من نباحه!
تمت عملية الخطف بنجاح، ونقل الجرو للسكراب، حيث أطلقه هناك، وجلس لدقائق يتأمل ما سيحدث لذلك الحيوان المدلل، بشعره الأبيض المنفوش والممشط بعناية، ورائحته العطرة وأظفاره المعتنى بها وذيله الملكي، والذي كان يكلّف أصحابه شهرياً أكثر من راتب الخادمة.
خلال دقائق تجمعت على الجرو الصغير كلاب السكراب الجرباء والجائعة، وبدأت بالتعرف على «هوية» القادم الجديد من خلال دس أنوفها في ثناياه، والدوران حوله وكأنها ترى حيواناً من كوكب آخر.
اعترت «القريب» موجة عطف مفاجئة على المصير المظلم الذي سيتعرض له الجرو المسكين تحت درجة حرارة تصل للخمسين، بين بقايا السيارات وحثالة الكلاب السائبة، وهو الذي كان قبلها بنصف ساعة معززاً في بيته، تحت هواء مكيف بارد، وطعام لائق بالكلاب، فترجل من سيارته، وأعاده إلى أصحابه!
***
قرّرت الحكومة قبل سنوات بناء مركز ثقافي يليق بسمعة الكويت، وليبراليتها التاريخية المعروفة. كلّف المشروع في حينه الكثير، فلم يبخل الديوان عليه، وعلى من أشرف على بنائه بشيء. كما قامت تلك الجهة بتعيين إدارة محلية ماهرة ومنفتحة للمركز، وكلّفت شركات عالمية بإدارة المركز الثقافي من النواحي التقنية، واستقدام الفرق الأجنبية الفنية، وخلال فترة قصيرة أصبح المكان مصدر إشعاع ونقطة ضوء جميلة في سماء الثقافة الملبدة بغيوم التشدد والتطرف.
***
كبقية الأنشطة الأخرى، تأثّر المركز بوباء كورونا، فتوقف نشاطه كلياً، ولكنه بانتظار قرار سياسي ليعود إلى سابق عهده، خاصة وأن غالبية المواطنين والمقيمين بحاجة حقيقية إلى الترفيه، بسبب صعوبة سفر الكثيرين منهم، واضطرارهم للبقاء في البلاد لأسباب يطول شرحها!
بدلاً من صدور قرار بعودة مركز جابر إلى سابق عهده، صدر قرار مضاد بالاستغناء عن العاملين فيه كافة، وإنهاء جميع عقود تشغيل المركز، وإلحاقه بوزارة الإعلام، التي ستقوم غالباً بتوظيف جيش صغير لتقاسم كيكة وظائفه، وعلى القارئ تخيل الوضع الذي سيكون عليه بعد بضعة أشهر، وإن لم يحدث ذلك في عهد الوزير الحالي، الذي يقال إنه جيد، فسيحدث حتماً في عهد وزير آخر كاره لجلال الدين الرومي!
إن مصير مثل هذه الصروح الجميلة، كدار الأوبرا وحديقة الشهيد، التي تدار حالياً باقتدار كبير من قبل «لوياك»، ومتاحف «عبدالله السالم»، يجب ألا تسلّم لجهات حكومية تقليدية مترهلة، كهيئة الزراعة، والإعلام، بل من الضروري الإبقاء على استقلاليتها لضمان إبداعها، ولا يحتاج الأمر إلى غير الاستماع لأصحاب الشأن.
***
ملاحظة: قامت مجموعة من رقباء الشرطة، في حفل تخرجها، بأداء رقصة قبلية حماسية احتفاء بنجاحها.
رمزية الرقصة أنها بينت أن الانتماء هو للقبيلة، في مخالفة للأصول العسكرية التي تتطلب الانضباط والولاء للوطن والقيادة!
محاسبة هؤلاء على تصرفهم واجبة.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw