حرية الرأي بين دشتي والساير
في عالمنا المتخلف، ليس هناك أسهل من اتهام من يختلف معك في الرأي بالكفر وتأليب الغوغاء والسلطات الدينية والأمنية عليه، فيعتقل ويسجن بانتظار تقديمه للمحاكمة بتهمة ليس لها، غالباً، أساس دستوري!
يصدر الاتهام بالكفر عادة من الطرف الذي لا يجد شيئاً يرد به على الآخر، المخالف له، غير مدرك أن سلاح الاتهام بالكفر لم يج طوال آلاف السنين في إسكات صوت الحق كل الوقت، بل نجح فقط في إسكات بعض البشر.. بعض الوقت.
***
اعتقلت السلطات الأمنية قبل أيام الناشط ناصر دشتي بتهمة ازدراء الأديان. وقف الكثيرون معه، ووقف البعض ضده، ولم يحزنني من هؤلاء إلا «الشاعر» جمال الساير، الذي لم يكتفِ بعدم الاعتراض على تقييد حرية دشتي وتعريضه لمهانة السجن، ووضع القيود الحديدية في يديه، ومصادرة هاتفه النقال، ووضعه مع المتهمين بالقتل، بل أيد التهمة، بكل ثقة!
لقد سبق أن وقفنا مع الساير، عندما تعرض للمأساة نفسها، وطالبنا بإطلاق سراحه كـ«سجين رأي»، وأن يترك الأمر للقضاء ليبت في «التهمة» مع السعي لإلغاء عقوبة الحبس من قانون «المرئي والمسموع» السيئ الذكر، ولسنا نادمين على سابق موقفنا معه.
***
لا ينكر إلا جاهل أن وضعنا ليس بالمثالي، فنحن نعيش في أزمات متكررة، وبالتالي يتطلب الأمر وجود حوار صريح حول الإصلاح، والإصلاح لا يقتصر على المالي والاجتماعي والأخلاقي والإداري، بل يشمل أيضاً العقائدي، وهذا ما انتبهت له دول كثيرة أنكرت لعشرات العقود وجود أزمة فهم للعقيدة لديها، ثم وعت لنفسها فجأة وسعت بقوة ومثابرة لإصلاح ما تم تخريبه من عقول شبيبتها على يد دعاة ورجال دين من عالم آخر، فجددت مناهج مدارسها، وأدخلت المواد الفلسفية والنقدية لها، وأعادت النظر في الأحاديث وسعت لتنقيح الكثير من المفاهيم القديمة، وفتحت المجال أمام نسائم الحرية لتدخل عليها، وأوقفت الرقابة على الكتب، ودخلت عصر انفتاح طالما هفت نفس بشرها إليه.
إن الحرية هي أثمن ما يمتلكه الإنسان، فإن منعناها عنه حولنا آدميته لشيء آخر. فحجز الحرية يعتبر في العالم المتقدم عقوبة قصوى. فكيف نحول الإنسان عن بشريته لأنه كتب ما يحتمل أكثر من تفسير وتأويل، ونسجنه قبل صدور حكم بات نهائي بحقه، ونعرّض سمعته للأذى، وقد يفقد عمله، وتنهار أسرته لأن جهة ما رأت أنه يستحق كل ذلك لأنه قال رأيه؟
ما فائدة اﻠﺪﻳﻤﻮﻗﺮﺍﻃﻴﺔ إﻥ كانت حرية الرأي فيها ممنوعة؟
وما فائدتها إن لم يكن ﺍﻟﻨﻘﺪ ﻭﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ عن الرأي، في حدود القانون، مباحين فيها؟
وكيف يمكن أن تتقدم ﺩﻭلة بغير تلاقح أفكار شعبها، وتعايشهم مع كل اختلافاتهم تحت سقف واحد، دون سيطرة وجهة نظر جهة على الأخرى؟
ناصر دشتي يستحق الاحترام، ورأيه يستحق الإنصات إليه، وللجميع حرية تقبل ذلك أو رفضه، وليس وضع الأصفاد في يديه ورميه بالنظارة مع متهمين بجرائم قتل، لأن رأيه لم يعجبنا!
كفانا تخلفاً، فقد أتعبنا ذلك ونال من قوانا، وجعلنا في آخر ركب الأمم.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw