معجزة الغريبة
قد لا تلتفت له للوهلة الأولى، أو يسترعي انتباهك بشدة عندما تصادفه، ولكن ما أن تجلس معه أو تستمع الى أحد أعماله الفنية تكتشف كم هو كبير، وكم هي متضاربة ومتضادة تلك المشاعر الفياضة التي تتصارع في داخله، نتيجة تمازج وتداخل ثقافاته التي نشأ عليها، وتشرب منها حتى الثمالة، ورغبته في أن يعطي وطنه شيئا كبيرا، والتي خلقت منه فنانا مميزا، سيكون له دور كبير في تطوير الفن الموسيقي بشكل عام في الكويت، ويساهم في اضاءة شمعة كبيرة تساعد في تبديد الظلام الفكري والاسفاف الفني الذي يحيط بنا، هذا هو نواف الغريبة الذي قام بمساعدة كبيرة من بيت لوذان، رئة الفن والثقافة والأدب في الكويت، وبدعم من الرائعة الشيخة فرح الصباح، بإقامة أمسية أكثر من خيالية، ربما سننتظر كثيرا للاستمتاع بما يشابهها مرة ثانية. لقد نجح الغريبة ليس في امتاعنا بمعزوفاته الرائعة وفنه الرفيع، بل وفي جمع كل تلك المواهب الشابة في عمل موسيقي قل نظيره، أقول ذلك من دون مبالغة، فقد نجح في خلق توليفة موسيقية شاركت فيها مغنية الأوبرا أماني الحجي ونورا قاسم وفيفيان الشحروري ومنتصر الفارسي وهادي خميس وفيصل مرعي، الذين أمتعونا باصوات أكثر من واعدة، هذا اضافة إلى مبدعين آخرين من عازفي عود وأورغ وكمان وسكسافون وترمبيت، امتازوا جميعا بانسانيتهم الرائعة، ان بانتماءاتها أو بابداعاتها! لقد كان عطش الجمهور لمثل ذلك الفن واضحا، خاصة عندما مزج الغريبة اليامال الخليجي بالأوبرا الايطالية مع خلفية من آلة النفخ التي يستخدمها الأوبورجينيز، فأسمعنا مقطوعة جميلة ومبدعة في كل نغمة ولفتة.
شكرا للفنان الغريبة، ولكل من ساهم في ذلك العمل من أمثال القلاف، والقلاف الآخر، وسليق ومينا والقطان والقطان الآخر، وجومانا والسالم والفرج والبلوشي ومارينا وراشد والزنكي والوتيد وثاني وزهرة وغانم والسالم والفرج و«أوانا» وحاجي وجومانا، الذين أشعرونا جميعا وهم يغنون ويعزفون، كم تداخلت أنفاسهم مع فنهم وعشقهم اللامتناهي له. أما الغريبة، قائد تلك الأوركسترا الجميلة وواضع ألحان تلك الأمسية، فقد أبدع في مناجاة كل آلة موسيقية وقعت يداه عليها، ونجح باقتدار في وضع مقطوعات تحمل تأثيرات هندية وخليجية وأفريقية وأوروبية واسترالية أصلية في قالب دولي جميل. نعم، ما استمعنا له تلك الليلة في بيت لوذان أمر قد لا يتكرر مرة اخرى، ولكننا سنسعى وآخرون من محبي فن نواف الغريبة إلى أن تكون هناك حفلة ثانية وثالثة ورابعة، ففي كل أجواء الحرمان الفني التي نعيشها، إن نتيجة سطوة وتقدم القوى المتخلفة، أو بسبب تخلف القوى المتقدمة، لا يبقى لنا غير نواف وأمثاله، فشكرا كبيرة له، ولكل من عزف وغنى معه، وشكرا كبيرة أخرى لبيت لوذان، وكل رعاة تلك الأمسية.