الكويت وأخلاق الياباني

«مهما كانت بذور القمح جيدة والأرض خصبة، والمياه وفيرة، إلا أن عليك الانتظار طويلا قبل أن تحصد شيئا».
( أ. الصراف)
* * *
تسعى المملكة السعودية جاهدة لأن تسابق الزمن، والسير حثيثاً في طريق تبديل وتعديل مناهج مدارسها لتصبح غير التي كانت عليه وتخليصها من كل شوائب الماضي، وجعلها أكثر إنسانية ومتماشية مع العصر، وسنسمع قريبا، ونحن فاغري الأفواه، بما حققته في هذا المجال ونحن جالسون ننتظر ان تتغير مناهج مدارسنا الرثة.... بنفسها!

ما تعرفه، أو لا تعرفه الجهات «العليا» المسؤولة عن التربية (هذا إن كانت فعالة أصلا) أن كل مشاكل دول العالم الثالث، ومنها الكويت، نابعة من سوء التعليم وسوء التربية. والتربية تعني الأخلاق أساسا، والتي لا يمكن أن تتطور للأفضل من خلال الاكتفاء بتكثيف الدروس الدينية، بل من خلال تكثيف الدروس في الأخلاق.

فالقذارة في البيت ومكان العمل والشارع سببها غياب ثقافة الأخلاق. والسرقات الصغيرة وعمليات التخريب التي تتعرض لها ممتلكات الدولة سببها قلة الثقافة الأخلاقية. والقيادة غير المسؤولة في الشارع، وكنت لسنوات أحد المشاركين فيها، سببها قلة الوعي بأهمية حقوق الآخرين في الطريق، وهذا جزء من منهج الأخلاق. فقد درست لستة عشر عاما، وعملت واشتريت سيارة، ولم يقل لي أحد يوما كيف أتصرف في الطريق، غير تعليمي كيف أقود المركبة ومعرفة معاني بعض إشارات المرور.

أما في المدارس اليابانية فإننا نجد أن كيفية استخدام وسائل النقل الخاصة والعامة هو جزء من المنهج الدراسي. كما يطلب من الأطفال، وحتى بعد أن يكبروا، القيام بأعمال تنظيف مدارسهم، ويشاركهم في ذلك معلموهم. ولو ترك الأمر لنا لأرسل الكثيرون خدمهم للمدارس ليقوموا بالتنظيف نيابة عن أبنائهم.

فكرة المشاركة في التنظيف لا تقتصر طبعا على تعليم الطلبة كيفية أدائها، بل لخلق وعي بأهمية النظافة واحترام «جامع القمامة»، وبث روح التواضع والتعاون في الجميع.

عندما كنت في اليابان رأيت عمالا يكنسون حدائق قصر الامبراطور. تبين أنهم جميعا من المتقاعدين الذين تطوعوا للخدمة العامة بدلا من الجلوس في البيت أمام شاشات التلفزيون والاكتفاء بإصدار الأوامر للخدم، والتهام شرائح البيتزا. فمفهوم الخدمة العامة يكبر مع الطفل الياباني، ومعه يترسخ التواضع... وهذا ما تعنيه الأخلاق!
* * *
جلست في أحد قطارات طوكيو في مكان منزو، وقمت بتشغيل هاتفي بعد وضع سماعات الأذن. جاء المفتش وطلب مني بأدب الانتقال لعربة أخرى، وأعفاني من الغرامة الكبيرة، وكل ذلك لأنني كنت في مكان غير مسموح فيه «أبدا» استخدام الهاتف النقال، حتى لو كان على وضع «الصامت». فمن الأخلاق «احترام خصوصية الآخرين»، ورغبتهم في أخذ قيلولة هادئة، دون رنين هاتف أو حتى سماع همسة!
* * *
كما أنه من الأخلاق احترام حقوق الآخرين من خلال الحضور في الموعد، وهذا أمر لا يلقى الكثير من الاهتمام لدى غالبيتنا، بالرغم من حيويته، فهو يمثل القمة في احترام الغير وارتباطاتهم المسبقة. ولذا نجد أن وسائل النقل لدى الشعوب الحية دقيقة في اقلاعها ووصولها، وما يعنيه ذلك من توفير ملايين ساعات العمل يوميا، أما لدينا فحدث ولا حرج، والمشكلة أنك عندما تشتكي من التأخير تتهم بسوء الخلق!

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top