اتحاد متسرع
كتب الزميل عبدالرحمن الراشد، في «الشرق الأوسط»، مقالاً ذكر في بدايته أنه ضد اتحاد خليجي، كالمزمع إنشاؤه، وكان من الممكن أن يكون موقفه، كما اعتدنا منه، لافتاً لكاتب سعودي وفي جريدة شبه رسمية، ولكن مع الاستمرار في قراءة المقال يتضح أنه ليس ضد الفكرة بل معها، بالرغم مما تضمن مدحاً وانتقاداً للكويت في آن واحد، وكان إلى حد ما مصيباً في الحالتين، حيث ذكر أنه ضد فكرة الاتحاد إذا كان تأسيسه يعني أن تلغي الكويت نظامها البرلماني، ومفهوم المشاركة السياسية عبر الانتخاب، إرضاء للسعودية وبقية الدول الخليجية. كما أنه بالقوة نفسها ضد الاتحاد، إذا كانت البحرين أو دبي ملزمة بتطبيق أنظمة الكويت أو السعودية المتعلقة بتقييد الحريات الاجتماعية. كما هو ضد نقل «أمراض الكويت السياسية»، من تحزبات قبلية وطائفية، إلى بقية دول الخليج! أو نقل النزاعات الطائفية في البحرين إلى الدول الخمس الأخرى!
والحقيقة أن الراشد، بالرغم من كل ما عرف عنه من تجرد، قد خانه التعبير، أو أكثر من ذلك، فهو لم ير في التجربة الكويتية غير «تقييد حريات»، و«أمراض سياسية وتحزبات قبلية وطائفية»، وهي في هذا والسعودية واحد من ناحية تقييد الحريات الاجتماعية، فهذا تسطيح لوضع الكويت ولتجربتها الديموقراطية، بالرغم من كل مثالبها! فوجود «القيود الاجتماعية» التي يسخر منها حالة استثنائية، ولم تطرأ إلا في السنوات الأخيرة، وبالتالي يمكن التغلب عليها متى ما توافر القرار السياسي، وهي بالتالي ليست «مرضاً عضالاً» لا شفاء منه. فالمجتمع الذي أفرز أحمد الخطيب وعبدالله النيباري وسامي المنيس وجاسم القطامي وأحمد النفيسي، وأيضاً حسن جوهر لكي لا نبخس الرجل حقه، وآخرين لا يسع المجال لذكرهم، هو المجتمع نفسه الذي أفرز خالد سلطان وشلته. ومن جاء بهؤلاء بإمكانه أن يأتي بمثلهم وأحسن منهم.
وأعتقد أن أي اتحاد خليجي لا يمكن أن تكون فكرته ذات معنى بغير اقتراب الدول الخليجية من ديموقراطية الكويت، وليس اقتراب الكويت من لاديموقراطياتها، ولا أعتقد أن الغالبية في الكويت يمكن أن تقبل، بالرغم من مرارة التجربة، التخلي عن هوامش الحرية البسيطة التي ننعم بها بفضل الديموقراطية من أجل اتحاد هش! فلا جدوى لأمن بلا حرية، والتي إن ذهبت قد تذهب بالأمن معها. أما جزرة «الاتحاد قوة» التي يتم التلويح بها، وأن الاتحاد المزمع تكوينه سيكون له جيش قوامه 360 ألف مقاتل، فكلام لا معنى له في ظل التدهور الإداري والتنظيمي الذي تعيشه غالبية الدول العربية، باستثناء دبي تقريباً. فقد فشلت الدول الخليجية الست حتى الآن، وبعد نصف قرن من استقلال أغلبيتها، في خلق إدارات حكومية ولو شبه ناجحة، والجيش لم يكن قط استثناء من هذه القاعدة، وبالتالي لا نستطيع مثلاً الوقوف في وجه أي تهديدات خارجية، وبالذات إقليمية، ونحن بكل هذا التهلهل والتسيب في عقر دورنا، بجيش من 360 ألف جندي أو بضعف ذلك، وما نحتاج إليه هو اهتمام كل دولة خليجية بتحسين وتعديل الخرب من أوضاعها، ومن بعدها التفكير في إقامة اتحاد فعال، فجمع أصفار عادة لا ينتج عنه شيء.