الشرح.. الذي تأخَّر قليلاً
يتساءل الكثيرون، منذ أن بدأت الصحافة تستعين بكتّاب الزوايا، وخاصة من تخصص منهم في نقد أعمال وسياسات الحكومات، عن جدوى الكتابة طالما أن الجهات التي يوجه لها النقد لا تتجاوب أو تتفاعل مع ما يكتب، وتبقى الأمور من دون تغيير!
الحقيقة التي يعرفها من يعمل بالصحافة أو من يكتب عموداً يومياً أن الحكومة ليست شركة خاصة أو فرداً متحرراً من القيود والروتين، بل هي أشبه بفيل ضخم بطيء الحركة، ضعيف النظر والسمع، وفوق ذلك قليل الاكتراث، وليس بإمكانه أصلاً التجاوب الفوري مع ما يكتب في الصحافة، إلا إذا تعلق الأمر بكارثة أو جريمة. والمفارقة المضحكة أن الجهات الحكومية الأكثر استحقاقاً للنقد، هي في العادة الأكثر تخلفاً، وبالضرورة الأقل تجاوباً مع ما يكتب، والعكس صحيح.
***
أستطيع القول، من واقع تجربتي مع الكتابة، إنني أجد شيئاً من التجاوب من المعنيين بما أكتب، إما في صورة اتصال لشرح ما خفى عني أو للاستجابة لما طالبت به في المقال. وتتم غالباً تسوية الأمر وينتهي عندها، ولا أعود إلى الكتابة عنه، ولكن يبدو أن من الأفضل الإشارة، بين الفترة والأخرى إلى ما تتم الاستجابة له.
كما ألجأ في أحيان كثيرة إلى الاتصال بالمسؤول الحكومي وتسوية الأمر معه مباشرة بدلاً من الكتابة عن موضوع يقلقني، وأتجنب كتابنا وكتابكم، وهنا أخص بالذكر المدير العام لهيئة الصناعة المهندس عبدالكريم تقي، والمدير العام لهيئة القوى العاملة، ووكيل وزارة الداخلية الفريق البرجس، ووكلاء الداخلية المساعدين من أمثال اللواء عابدين عابدين، واللواء جمال الصايغ، واللواء منصور العوضي، والأفاضل وزراء العدل والكهرباء والصحة، والمدير العام للبلدية م.المنفوحي، والمدير العام لهيئة المعلومات الأخ مساعد العسعوسي، وغيرهم الكثير الذين يستجيبون غالباً، ويبادرون بحل ما يعرض عليهم، في حدود المنطق والقانون، من دون حاجة إلى كتابة مقال.
كما أن عند الكتابة مثلاً عن أمور يستحيل حلها فوراً، كالوضع الاقتصادي، من السذاجة الافتراض أن وزير المالية أو الاقتصاد سيتصرف فور قراءة أي مقال، ويقوم بتعديل الوضع، حتى مع اقتناعه بصواب ما كُتب، بل يتطلب الأمر اتباع قنوات اتخاذ قرار معروفة، وهذا يأخذ وقتاً. كما أن استمرار الكتابة في مسألة معينة، ومن أطراف عدة، يشكل غالباً ضغطاً على جهات اتخاذ القرار، ويتم العمل بالكثير مما يتطرق له كتّاب الصحف في أعمدتهم، ولكن القارئ لا يربط عادة بين الكتابة والإجراء، خاصة إن حدث الإجراء بعد فترة طويلة نسبياً من الكتابة عنه!
خلاصة الموضوع، ورداً على منتقدي ما يكتب في الصحف، وتأففهم من أن لا أحد «في الحكومة» يسمع أو يقرأ أو يتابع ما يكتب، وهم بالتالي يلمحون، ولو ضمنا، إلى عدم الجدوى، لهؤلاء نقول إنهم حتى لو كانوا على حق، إن من الأفضل الاستمرار في الكتابة، بدلاً من السكوت التام!