المنطق والعلم والمرض

الموسيقى والغناء والرقص، بين أمور أخرى كثيرة، تفيد الصحة الجسدية والعقلية، وهذا ما ورد في تقرير نشر في القبس عن دراسة حديثة لباحثين ألمان، أظهرت أن الغناء والرقص والعزف على أداة موسيقية مفيدة جداً، وتماثل تأثير النشاط البدني، لافتة إلى أن الدراسة اعتمدت على تقرير من منظمة الصحة العالمية، التي أكدت أهمية ذلك في تحسين جودة الحياة المرتبطة بالصحة العقلية، وأن الموسيقى تحفّز الوظائف الإدراكية لدى الأشخاص الذين يعانون أمراضاً عقلية. والغناء، على وجه خاص، يحسّن الانتباه والذاكرة العرضية والوظائف الحركية.
وفي مقابلة مع صحيفة الغارديان البريطانية، ذكر البروفيسور كيم كونيو أن إدخال الموسيقى في نظام الحياة يريح الأفراد، مما يؤكد ضرورة دمجها في نظام الرعاية الطبية، وهذا يعني أن المفضل أن يستمع نزلاء المستشفيات إلى الأنغام الهادئة لرفع روحهم المعنوية بطريقة إيجابية. وسبق أن اكتشفت شركات التأمين أن الترويج لوثائق التأمين على الحياة تكون مجدية أكثر متى ما عرضت الأمور بطريقة إيجابية، من خلال نشر صورة عائلة سعيدة وهي تبتسم، بدلاً من الترويج لبيع البوليصة بطريقة سلبية من خلال نشر صور حادث مرور مروع.

كما انتبهت بعض جمعيات النهب إلى هذه الجزئية، حيث كانت في السابق تعرض صور «المهتدين الجدد»، وهم يبكون على أكتاف «الدعاة»، فقامت بتغييرها بصور تبين ابتسامة المؤمن الجديد!

تطرح الدراسة تساؤلات حول طبيعة التدخلات الموسيقية المثلى، والجرعات التي يجب استخدامها أثناء العلاج السريري.

التساؤلات الأعمق هي عن سبب تحذير، وليست كراهية، نسبة كبيرة من رجال الدين، المسلمين بالذات، للموسيقى والرقص والغناء، وهي أمور تتناغم بشكل جميل مع غرائز الإنسان الطبيعي، ولا شك لدي أن من يحرمونها على غيرهم لا يترددون في الاستمتاع بها.. سراً، ولكنهم يرفضونها لغيرهم بحجة أنها تلهي عن «أداء الواجبات» الدينية. ولو تمعنا في استجابة أو في ردود فعل الإنسان، منذ لحظة ولادته وحتى مماته، لوجدنا كمْ يسعد الطفل الصغير بحركات أمه الراقصة أمامه ويسعى إلى تقليدها، وكمْ تطربه نغمة جميلة تصدر عن آلة أو يصغي السمع لأغنية ويحاول ترديد كلماتها، فكيف يأتي هؤلاء ويحرموننا من الاستمتاع بغريزة بشرية بريئة ومفيدة؟

موقف هؤلاء من الموسيقى والرقص والغناء فريد من نوعه في العالم، ولا أعتقد أن هناك أمة يكن رجال الدين فيها كل هذا العداء لمثل هذه الأمور، سراً أو علناً، وتكرّه حتى الضحك وتستغفر ربها إن أكثرت منه. وإن غادرنا مجلساً مرحاً ارتفع صوت الضحك فيه، فإننا غالباً ما نردد «اللهم اجعله خيراً»، ونطلب من الحضور الستر على ما رأوه أو سمعوه منا!

الحياة قصيرة ولا تستحق كل هذه الجدية والتجهم، والفرح جزء من شخصية الإنسان، فدعونا نستمتع بحياتنا كما نشاء، وحلّوا عن سمانا!

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw


الارشيف

Back to Top