رسالة الماغوط لجموع الواهمين
هذا نص كتبه السوري المبدع «محمد الماغوط» (1934ـــ2006) أنقله بتصرف، لجموع الواهمين بيننا:
سافر دون تردد، استفد من السنوات المتبقية من حياتك الضائعة!
سافر وسترى شعوبا غيرنا وستفهم معنى الانسانية والحياة. ستعرف اننا لسنا أحسن الناس في الدنيا، فهناك لا أحد يعرف شيئًا عن قصص عنترة ولا شيبوب، ولا ابنه القادم، ولا حتى الزير سالم، وكل البطولات الزائفة. سافر حيث لن تجد من يدفن ابن الرازي، ويحرق كتب ابن رشد، ويلعن ابن سينا، ويذم ابن الهيثم.
سافر لتكتشف كذبة حضارة الستة آلاف سنة، لتكتشف أن وطنك بلد أصفر وليس أخضر كما كان يقال لك، وأننا عبء على البشرية وحتى على أنفسنا وأسرنا. وسوف تتيقن أن الغرب لا رغبة لديه للتآمر إلا على من يدعوه للتآمر عليه، فنحن نتقن التآمر بعضنا ضد بعض، والغرب مشغول بما هو أهم وأكثر فائدة.
تعال لترى وتندهش من لطف سائق التاكسي أو رجل الأمن، ولا تشعر بالخوف وأنت تختم جواز سفرك على الحدود، وتستطيب الحديث حتى مع نادل المقهى.
ستندهش لرؤية فرقة إطفاء تأتي لإنقاذ قطة عالقة على حافة طابق من مبنى عالٍ، وترى شرطي مرور يوقف مسيرة السيارات لعبور إوزة مع صغارها. وستندهش عندما ترى المسؤول الكبير يسير وحيدًا في الشارع، دون طبل وزمر وإغلاق طرقات وإزعاج جمهور.
ستتعجب من عدم رغبة مسؤولي هذه الدول بالمواكب، ولا سماع القصائد تتغنى بحكمته وعبقريته الفذة، ولن ترى منظر الدراجات النارية وحتى المدرعات وهي ترافق حفيد ابن شقيق المسؤول الكبير.
تعال لتفاجأ بأن الناس يبتسمون لك، ولبعضهم الآخر، وليس وراء ابتساماتهم طلب أو غرض!
نعم، ستتعلم أن عليك احترام الآخرين لتكسب احترامهم، وستخجل من الأفعال السيئة التي اعتدت ارتكابها كغرائز في بلدك؛ مثل تجاوز قائمة الانتظار ودفع الرشاوى وقبولها وتخريب مقاعد المتنزهات العامة وكراسي وسائل النقل، وإلقاء القمامة في الشارع، والتباهي بمعرفتك ضابط أمن من الدرجة العاشرة، أو صداقتك مع أحد أقارب مسؤول كبير، ولن تفكر بسرقة الكهرباء من الدولة، ولا حتى سرقة بطة من البركة القريبة، أو خنق حمامة وثقت بك، وحطت على يدك. كما ستحرص على دفع أجرة نقل الحافلة حتى مع غياب المحصل.
ستندهش من «برودة» مشاعر البعض وتوجسهم منك، وستحن لهز اليد عند اللقاء، وبقوة وحرارة أهل بلدك وتتمنى عناقهم وضمهم لك، وستفتقد العائلة والأصدقاء وأشياء كثيرة، لكنك لن ترغب أبدًا في العودة إلى حياتك الموحلة السابقة بعد أن اختبرت بنفسك حياة الإنسان كما ينبغي، وكما تريدها أن تكون، وإن عدت، فستعود إما زائرًا أو ميتًا، فهذا أمر لا مفر منه. انتهى!
***
لست شخصيا مع هذا الرأي ولا ضده بالمطلق، فبيئتي تختلف عن غيري، ولا مجال للمقارنة! ولكن ماذا لو كنت واحدا من الملايين المئة أو المئتين من شعوبنا التي تعيش تحت أنظمة دكتاتورية ظالمة؟
ماذا سيكون شعوري وأنا أقرأ هذا الكلام إن كنت أعمل بين 10 و15 ساعة في أعمال شاقة لأستطيع جلب عشاء لأسرتي؟
وماذا عن مشاعر وأحلام ومصاعب عيش العشرين أو الثلاثين مليون لاجئ عربي، وكثير منهم يعيش في مخيمات منذ عام 1948؟
وماذا عن الملايين الذين تضرروا من الحروب الأهلية في دولنا، وماذا عن جرائم داعش والنصرة وغيرها بحق شعوبنا؟
يقول البعض إن من الغباء الدفاع عن وطن لا تجد وظيفة فيه، ولا مصدر رزق ولا كرامة ولا تعليم.
ومن الغباء أكثر أن يضحي الإنسان بنفسه ليعيش أطفاله من بعده مشردين. والانتماء كذبة اخترعها الساسة ليموت المعدمون من أجلهم. فعندما يبتلى الوطن بالحرب ينادون الفقراء ليدافعوا عنه، وعندما تنتهي الحرب ينادون الأغنياء ليتقاسموا الغنائم معهم، وغالباً يموت من لا يستحق الموت على يد من لا يستحق الحياة!
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw