القيادات.. وحفرة قندهار العميقة

تشكو الإدارة الكويتية من عيوب مخيفة، كما تشكو الكفاءات القليلة الموجودة فيها من عدم الاطمئنان، وأنها لا تحظى بتأييد الحكومة وثقتها.

كما نرى في المقابل أن عديمي الكفاءة في الإدارة الحكومية، وما أكثرهم، غير مكترثين بما سيحدث لهم، فقد نزل أغلبهم أصلاً بالباراشوتات على مناصبهم، واستفادوا منها فوق ما كانوا يحلمون ويتصورون، وتسبب عدد منهم في انهيار المنظومة الحكومية، ويكفي أن نعرف أن المحاكم أصدرت 500 حكم نهائي بإبطال صلاحية شهادات جامعية ودكتوراه، سبق أن حصل أصحابها عليها «قوترة» من جامعات غير معترف بها، هذا بخلاف آلاف الشهادات الأخرى، التي يبدو أن الجهات المعنية قررت غض النظر عنها، حالياً، وأصحابها في مراكزهم، مستمرون في عبثهم! وقامت الحكومة في الوقت نفسه بإعفاء عدد من الكفاءات المشهود لها بالجدية والإخلاص من مناصبها، ولكن لم تعيّن من يشغلها على الرغم من عظيم أهميتها، مثل منصب الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الذي كان يشغله الأخ علي اليوحة بكفاءة عالية، ومنذ خروجه والمجلس غارق في سبات عميق، بخلاف فترة استفاقة لم تدم طويلاً!

كلما كتبت عن الإدارة تذكرت المثل البالغ الدلالة، الذي درسناه في الجامعة، والذي تعلّق بمصر في أوج قوة نظام ناصر الاشتراكي، حيث كان هناك فندقان فقط من فئة خمسة نجوم، يتمتعان بالمزايا والموقع والتسهيلات نفسها، ونوعية العمالة نفسها، ويتماثلان في ما يصرف لهما من طعام وشراب، وكل شيء تقريباً. كانت خسائر الأول، الهيلتون، كبيرة جداً، وكانت أرباح الثاني، الشيراتون، ضخمة وتدر «عملة صعبة» على الاقتصاد المنهك، وكان السر وراء ذلك شخص واحد، فالأول يُدار من قبل ضابط جيش سابق، أما الثاني فكان يدار من قبل شخصية لبنانية محترفة متخصصة في إدارة الفنادق. وتجارب التاريخ أثبتت المرة تلو الأخرى نجاح وتقدم شعوب وشركات، وتأخر غيرها واضمحلالها بسبب ضعف أو سوء الإدارة، والأمثلة أمامنا لا تعدّ، فشركات، مثل كوداك ونوكيا، غابت عن الساحة، وتقدمت عليها أبل وغيرها من الشركات العملاقة، بسبب تهالك إدارة الأولى وتطور الثانية. وتكرر منا ومن غيرنا ذكر أمثلة سنغافورة وتركيا وكيب فيردي والصين ورواندا، وتراجع غيرها، إلى الحضيض، وأيضاً بسبب الإدارة!
***
تواجه الحكومة الجديدة واحداً من أكبر التحديات، وهو المتعلق باختيار وتعيين كفاءات مشهود لها بالخبرة والإخلاص لشغل المناصب الحكومية العليا الشاغرة. مع الحرص على التمسك بالإداريين الحاليين المميزين، ودعمهم وبث الاطمئنان في قلوبهم، فبغير ذلك سيستمر تخلف الجهاز الحكومي، ولن نتمكن من الخروج من حفرة قندهار بسهولة، إن سقطنا فيها، مع العلم بأننا نتميز عن الكثير من أشقائنا بالكفاءات الحكومية والعقول النيرة، كويت العلم والثقافة، كويت الإبداع والتطوير، ولا تحتاج الحكومة لغير وضع يدها على هؤلاء الأشخاص، والتخلي عن مراضاة البعض على حساب مصلحة الدولة العليا.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top