القضية اليتيمة والعاجزة
25 وزير تربية مروا على قطاع التعليم خلال 60 سنة، فشل نصفهم، وأفشلت الحكومة جهود النصف الآخر، ولا أحد تقريباً يود أن يقتنع أنه لا تخطيط ولا طب ولا هندسة ولا تطور ولا تقدم ولا شفافية حقيقية ولا إدارة حكومية صالحة، ولا إمكانية تحقيق أي إنجاز بغير تعليم مميز، هكذا ارتفعت دول وتقدمت، وبغيابه انهارت وغابت!
***
المسؤولية الأولى والأخيرة عن التعليم، تقع على الحكومة ممثلةً في المجلس الأعلى للتعليم، الذي لم يكن له يوماً دور واضح، فلا نجح في تطوير التعليم، ولا استقال معترفاً بعجزه، ولم يقم حتى بالاحتجاج على هامشية دوره، ومشكلته الأساسية أن من يرأسه هو وزير التربية، أي هو الخصم والحكم، ربما جاءت سلبيته لشعوره أن ليس من حقه أصلاً رسم سياسات التعليم، فما سيقوم به سيهدمه من يأتي بعده، وحدث ذلك مرات!
كما تفتقد الجهات أو المجالس الرقابية الاستقالالية والصلاحيات الرقابية الحقيقية، هذا غير توافر عدد لا يستهان به ممن عُيِّنوا بالواسطة، في أخطر المناصب القيادية، وهم أعجز عن تعليم أنفسهم، فكيف بتوفير التعليم الصحيح للأجيال القادمة، فالجهاز الوطني للاعتماد الأكاديمي شبه مشلول، ولا أعرف شخصياً من يديره.
وربما بدأت أخونة الوزارة مبكراً، مع تقلُّد خالد المسعود الفهيد، المتعاطف مع الإخوان، لحقيبة التربية والتعليم، في عام 1964 ولاثنتي عشرة سنة متتالية. وورد في تحقيق قامت به القبس قبل أيام أن 22 وزيراً لوزارة التربية تراوحت المدة التي قضوها في المنصب بين عام إلى أربعة، كما تقلد بعضهم المنصب لبضعة أشهر، ومنهم من يحمل شهادة متواضعة، وهذا يبين بكل وضوح أنها حقيبة لا تشكل أي أهمية في «الفكر الحكومي»، وتحظى بأهمية بالغة في الفكر الديني الإخواني!
تعتقد مجموعة «من هنا نبحر»، صاحبة أفضل تجربة لتطوير التعليم، أن وراء فشل التعليم أسباباً عدة، منها: ارتباط التنفيذ بشخص الوزير، وهو ما يعرضها للتغيُّر مع تغيُّر المسؤولين، وعدم تمتع مشاريع الإصلاح بصفة «مشاريع وطنية»، إذ تنحصر في كونها مشاريع متعلقة بوزارة التربية، إضافة لرفض الوزير إشراك المعلمين في عمليات رسم السياسات التعليمية.
قبل سنوات، كان بإمكاني التمييز بسهولة بين أطفالي وأطفال إخوتي، ومعرفة من منهم تعلَّم أو يتعلم في مدرسة خاصة، ومن يدرس في الحكومة. وكنت أعتمد في ملاحظاتي على درجة التهذيب والميل للعدوانية، ودرجة إتقان لغة ثانية! أما اليوم، بعد أن مرت على التعليم تلك العاصفة المدمّرة، فقد أصبح أغلب طلبة النظامَينِ متساوين في قلة التهذيب والعدوانية وسوء السلوك، والضعف في اللغة الثانية، والفضل يعود، في جزء منه، لفرض الوزارة مناهجها ورؤاها على المدارس الخاصة، والتدخل في كل شؤونها.
تعتبر مؤسسة ef واحدة من كبرى المؤسسات العالمية اهتماماً بالتعليم، ويعمل بها عشرات الآلاف في دول عدة، وتحظى تقاريرها باحترام، وورد في آخرها أن كفاءة التلميذ الكويتي في اللغات الأجنبية، وحتى العربية، تقبع في مرتبة متدنية!
الحل في مشكلة التعليم يكمن في تحويل كامل المهمة للقطاع الخاص، عدا بضع مدارس حكومية في كل منطقة، وتحويل الوزارة لجهة رقابية تثقيفية تطويرية بدلاً من كونها جهة تنفيذية مترهلة لا تعرف كيف تتفق مع شركة لصيانة المدارس أو تنظيفها، دع عنك توفير التعليم المميز لطلبتها.
اذهبوا لمدرسة بيان الثنائية اللغة، وتعلَّموا منها!
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw