الكاتب والداعية المنحرف

ليس هناك أسهل من تقديم النصيحة للآخرين، وليس هناك أكثر صعوبة من التزام صاحبها بها!

هذا حال الذين يكتبون المقالات ويرسلون التغريدات حاثين غيرهم على التديّن وأداء الفرائض، ومهاجمة من يعتقدون أنهم لا يؤدونها، فما يهمهم هو «المظهر» وليس «المخبر»، لأنهم كذبة مراؤون. لذا تجدهم يتوجسون خيفة ممن ينتقد تصرفاتهم ويكتب عن سوء أخلاقهم، ويحاولون إيهام غيرهم بأن ذلك الهجوم هو في الحقيقة على الدين والعقيدة، كونهم ممثليها والمدافعين عنها، فقط لأنهم ينتمون لهذا التيار الديني أو لغيره، وهم على علم تام بأنهم لا يمثلون إلا الفساد والوصولية، والتكالب على «متع الحياة الدنيا»، لذا نجدهم يحذرون الغير من الاقتراب من المواضيع العقائدية، ليس خوفا عليها، ولكن لحماية أنفسهم من النقد، والتعرية!

كما لا يترددون في التهجم، بصفاقة واضحة، على من يمتدح أو يثني على منجزات الشعوب الأخرى، بحجة أنهم «أقوام وشعوب لا دينية»، وهم أعلم من غيرهم بأفضال هذه الشعوب عليهم، وعلى من خلفهم.

كما دفعتهم قلة التهذيب، إلى اتهام غيرهم بالتحلل الأخلاقي وعدم التزام القيم الدينية.
***
ما لا يعرفه هؤلاء الطارئون على الدين والمتاجرون بالعقيدة، المنغمسون في وحول الصفقات والمناقصات، أن هذا الوطن كان دائما إسلاميا، ومحافظا بعقلانية وفهم، وكان به رجال دين طالما اتخذهم الحاكم في مراحل زمنية مختلفة ، نصحاء وجلساء، وكان لهم احترامهم في المجتمع، قبل أن تغزونا شراذم الإخوان، والتعصب والتطرف، والسلف والتلف، من المتكسبين من الدين، متناسين أن الدولة عرفت كل صنوف اللهو والمسرة، وكان يتعايش فيها أتباع كل المذاهب والملل والأديان، وكانت هناك «الرميلة والحرية والجرندول»، مثلما كانت هناك مساجد عظيمة، ولا تزال، غير الحسينيات ودور العبادة! وبالتالي نستغرب مطالبات هؤلاء الغرباء عنا، فكرا ونهجا وفهما، بتغيير بعض مواد دستور الدولة لتنسجم ومزاجهم ولتتوافق مع أهوائهم، وهم على علم بعدم معقولية الطلب، في عالم تتصارع أممه على اختراع ما تحتاج له الإنسانية من دواء، وما يتطلبه البشر من غذاء وكساء، لأنهم يريدون جر العالم لحياة ما قبل ألف عام مضى، وما عليهم غير تركنا لحالنا وشد الرحال لدولة الملالي في كابول وغيرها، وسيجدون الأذرع مفتوحة للترحيب بهم، حيث الشريعة، حسب مفهومهم، مطبقة.

لقد بقيت هذه الأمة ملتصقة بدينها، ولم يزعجها شيء أكثر من بغضاء وفساد ومخالفات هذا النوع ممن تصدوا للدفاع عن الدين، والدعوة للفضيلة!

الدين الحقيقي لا يقتصر على صلاة وصوم وزكاة وحج والشهادتين، بل في ما يعنيه من أخلاق وقيم ومثل عليا. فكيف يكون مؤمنا من «يأكل حق غيره»، ويبخل على أهله، ويشتم غيره، وينكث بوعوده، ويسرق شركاءه؟

الدين، أي دين، هو الاستقامة في التعامل، مع أي كان.

وحسن المعاملة، مع أي كان.

والصدق في القول، مع أي كان.

هذا غير العدل والتربية الحسنة، وغيرها من فضائل سهلة القول صعبة الفعل!

وخير مثال على ذلك الإدانة التي صدرت بحق أحد قضاة محكمة الاستئناف في مدينة عربية، الذي كان الإمام الأكثر شهرة فيها، والذي كان يبكي مستمعيه في خطبه الدينية لجزالة قوله وعذب صوته وقوة حجته وسهولة منطقة، بسبب القبض عليه بالجرم المشهود وهو يتسلم رشوة ضخمة للحكم في قضية معينة!

خطر هذا الإمام، وبعض الكتاب، الذين يظهرون علينا بلباس الورع والتقوى، ولا يتكلمون بغير الفضائل والمناقب الحميدة، خطرهم على العقيدة أكبر بكثير من خطر من لا يصلي ولا يصوم!

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top