الكارثة الحكومية القادمة
أصدر مجلس الوزراء قراراً منع بموجبه تجديد أو تمديد عقود استغلال القسائم المخصصة للتخزين، وهي بالآلاف وتستوعب أكثر من %90 من حاجة السوق للمساحات التخزينية، حيث إن ما بيد القطاع الخاص قليل جداً.
أدى النقص المزمن في المساحات التخزينية لارتفاع الإيجارات، واضطرار الكثير لتأجير سراديب عماراتهم وبيوتهم للشركات، في مخالفة صريحة للقوانين.
***
جاء قرار الحكومة الأخير، الصادم، والذي تأخر صدوره لأكثر من نصف قرن، ليشكل ضربة جديدة لقطاع التخزين، الذي يحقق البعض منه أرباحاً كبيرة بطريقة غير قانونية، وبعلم الحكومة، حيث نص على وقف تجديد عقود الاستغلال دون استثناء، وإعادة طرح المساحات التخزينية كافة للاستغلال عن طريق مزاد علني، وهذا قرار مثير للريبة والاستغراب، ويتضمن ظلماً كبيراً للذين التزموا كل القواعد، ولم يخالفوا القانون، سواء الذين سبق أن حصلوا على تلك القسائم من الدولة، أو من قاموا بشرائها من السوق، ولم يخالفوا بتأجيرها للغير، لكن يبدو أن هناك صراعاً ما بين جهات «طامعة» في الحكومة وأخرى قوية في القطاع الخاص، للاستيلاء على المساحات التخزينية التي بيد الأخيرة! وللتغطية على «هذا الطمع» تقرر سحب جميع القسائم، وإعادة طرحها في مزاد عام!
يقول المثل: عندما تتصارع الفيلة، تدفع الأعشاب تحت أقدامها الثمن.
***
لا شك أن سحب جميع المخازن وإعادة طرحها في مزاد سينتج عنها دخل كبير للدولة، ولكنه قرار فاشل ويصعب جدا تطبيقه، وسيتسبب في خسائر وإفلاسات كبيرة، وستتأثر أسعار كل المواد سلباً نتيجة عمليات إخلاء وإعادة تخزين بعشرات ملايين الأطنان، فيما يشبه عملية التهجير القسري التي وقعت مع انفصال باكستان عن الهند، وتعرض الملايين للموت!
إن تجاربنا مع الحكومة الحالية، في ظل كل التخبط الذي تعيشه، لا يجعلنا نطمئن لصحة قراراتها، خاصة على ضوء قرار الزيادات الأخيرة «غير المعقولة والمتسرعة» على أصحاب الشاليهات والمزارع، الذي تضمن عيوباً فادحة، تجعلنا لا نطمئن كثيراً لما سيأتي.
لقد طالبنا ونطالب بتنظيم عملية استغلال أراضي الدولة المخصصة للتخزين، وزيادة دخل الدولة منها، وتطبيق القوانين بحزم ومخالفة كل من أساء استغلال هذه التسهيلات لمنفعته الشخصية.
فكيف يمكن استخدام أسلوب التعامل نفسه مع من حصل على القسيمة من الدولة مباشرة أو قام بشراء حق استغلالها من الغير بطريقة قانونية، واستخدمها كاملة لحاجته الخاصة، ومن حصل عليها من الحكومة، بحجة حاجته لها، ثم أقام عليها مباني ضخمة وقام بتأجيرها للعشرات كمخازن ومعارض ومطاعم ونواد صحية وغيرها؟
سبق أن طالبنا بضرورة توفير مخازن جديدة وتسليمها لشركات ذات ملكية عامة تتخصص بإدارتها، حسب مناطق جغرافية معينة لا يحق لها الخروج منها، بحيث تقوم هذه الشركات بتوفير المساحات التخزينية للغير بشروط ميسرة تحقق لمساهميها عائداً معقولاً، وتحقق للدولة إيراداً عالياً، وتعفيها من مهام الإدارة الروتينية والمكلفة، لتتفرغ للرقابة فقط، بحيث يحصل التاجر على حاجته من المخازن بأسعار معقولة، ويستفيد المستهلك بطريقة غير مباشرة من عدم تضخم الأسعار، نتيجة الارتفاع غير المبرر لتكلفة التخزين!
لقد تقاعست الدولة عن تحصيل حقوقها الإيجارية من مستغلي الشاليهات والمزارع وغيرها لأكثر من نصف قرن، وفجأة أفاقت من سباتها، وفرضت مجموعة من الرسوم الباهظة على هذه الأملاك، وكأنها تريد الانتقام، في يوم واحد، من إهمال الحكومات السابقة الذي طال كثيراً. فما ذنب المواطن هنا، والتاجر الملتزم؟
ألم يكن من الأفضل التدرج في فرض الرسوم، التي طالبنا في مقالات عدة بزيادتها؟
وأخيراً: لماذا استثنت الدولة أصحاب مواخير «الحلال» من الزيادة، هل لأن الآخرين يتعاملون بمواد «حرام» مثلاً؟
وهل ستصبح الكويت «اشتراكية» تمتلك الحكومة كل شيء فيها؟
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw