عودة الوعي والعقل مع إنتهاء سياسة "دفتر الشيكات (مقال لم ينشر) أحمد الصراف
بالرغم من بعض الإخفاقات التي وقع فيها مقدم البرامج الناجح "عمار تقي"، خاصة مع ضيفين محددين، في برنامج الصندوق الأسود، وعجزه عن الرد عليهم وتفنيد "مغالطاتهم وأكاذيبهم"، والتي سبق أن تعرضنا له في أكثر من مقال، إلا أنه نجح بشكل عام وبجدارة تحسب له، وللقبس طبعا، في إقناع عدد غير قليل من كبار السياسيين، في أن يكونوا ضيوف برنامجه، ولعدة حلقات مهمة.
كانت أخطر حلقات صندوق القبس الأسود، بنظري، تلك التي أجريت مع الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، رئيس وزراء قطر السابق ووزير خارجيتها، والذي يعتبر اليوم من أغنى أغنياء العرب، والشخصية التي لعبت دورا خطيرا في حركات الربيع العربي، وبالذات في ليبيا، ودوره الغريب في الحرب الأهلية السورية. وسبق أن تطرق الكاتبان الفرنسيان "جورج مالبرونو" و "كريستيان شينو"، لدوره ودور قطر الخطير في تلك الحرب، وشرحا ذلك باستفاضة في كتابهما الخطير والشيق "قطر... أسرار الخزينة"، 2017، الذي تضمن أسرارا لم تعرف من قبل من الكثيرين، لأننا شعوب لا تقرأ ولا تهتم بالمعرفة، حتى لو تعلق الموضوع بأخطر مراحل حياتنا، أو خصائص أمورنا!
*
أكد الكاتبان بأن الدوحة لم تترك شيئاً إلا استثمرت فيه، من الطاقة والعقارات إلى كرة القدم. كما قامت، على الصعيد السياسي، بدعم الإخوان في مصر، وكان لها دور في الإطاحة بالقذافي، ودعم الجماعات المتشددة في سوريا بالمال والسلاح، وكان لها دور في انتفاضات تونس ومصر.
وخصص المؤلفان فصلاً كاملاً للحديث عن حمد بن جاسم، الذي كان القوة الضاربة والساعد الأيمن، لثلاثين عاما، لأميري قطر السابقين.
*
يقول بن جاسم لعمار تقي بأن قطر "قررت" تسليم ملف سوريا للسعودية، وللأمير بندر بن سلطان بالذات، الذي وعد بإنهاء وضع "النظام السوري" خلال أشهر معدودة، وطلب بندر مقابل ذلك ميزانية تقدر بألفي مليار دولار (وهذا رقم خيالي لم ينجح المقدم في التأكيد على صحته مع ضيفه). وقال "بن جاسم" بأنه كانت هناك غرفتي عمليات لتنفيذ خطة اسقاط النظام السوري، واحدة في الأردن والثانية في تركيا. وكان المشاركون في الخطة خمس دول، السعودية وقطر والأردن وتركيا وأمريكا.
وقع خلاف بين السعودية، التي كانت تدعم المقاتلين السلفيين، وبين قطر، التي كانت تدعم مقاتلي الإخوان المسلمين، بسبب علم الطرفين أن من سينتصر سيحكم سوريا، وكان الخلاف الأشد حول كيفية إيصال الأسلحة والذخائر والأموال للطرف الذي يدعمانه، وانعكس خلاف الداعمين على المقاتلين على الأرض حيث وقعت بينهم معارك تصفية، شرسة استفاد منها كثيرا نظام الرئيس بشار، وقوة مركزه، ومكنته، بدعم روسي وإيراني، وحلفاء آخرين، من الاحتفاظ بحكمه، وإنقاذ وطنه من شرور السلفيين، والإخوان!
تخلت السعودية وقطر تاليا عن دعم اطراف النزاع، فأصبح حفائهم في العراء دون سند، بعد توقفت أطراف النزاع عن الإيمان بسياسة أو دبلوماسية "دفتر الشيكات"!
**
لست مؤيدا لأي نظام حكم دكتاتوري، ولكني لست مؤيدا بنفس القدر، وربما أكثر، لأن يستلم حكم أي بلد نظام حكم ثيوقراطي، ديني، متشدد، لأن دول كثيرة اكتوت من حكم هؤلاء، ويكفي المنطقة ما لاقته من ويلات، وحرائق وانقلابات، وصراع وقتلى وضحايا ونكبات، ومع كل واحدة منها يزداد تخلفنا وتأخرنا في كل ميدان عن بقية دول العالم، بالرغم من إمتلاكنا للكثير من المواهب والقدرات والخبرات والثروات!
متى سيأتي وقت تعيش فيه شعوب المنطقة كبقية الشر!
أحمد الصراف