موضوع «البدون» لغير الكويتي
يقول صديقي سامي، المهندس المصري الأميركي، إنه انتقل للعيش والعمل في أميركا، وتمكن خلال سنوات قليلة من الحصول على الجنسية، وإن ابنته الصغرى، المولودة في أميركا، لها حق الترشح لرئاسة الجمهورية، أعظم دولة في التاريخ الحديث، علماً بأن الرئيس أوباما حكم أميركا 8 سنوات وكان والده مسلماً من كينيا. وتبعاً لذلك، لا يفهم مشكلة البدون في الكويت، ولماذا لا تعطيهم الحكومة الكويتية الجنسية، وتنهي المشكلة، مرة وإلى الأبد، بدلاً من معاناة الطرفين، مادياً ومعنوياً وإنسانياً، وفقدان السمعة دولياً، فكيف يحرم من الجنسية من ولد وعاش حياته في الكويت، أباً عن جد، وكل ذنبه أن لا أوراق ثبوتية لديه؟ وختم صديقي سامي كلامه بأنه يعتبر طريقة التعامل مع هذه الفئة غير إنسانية وعنصرية.
***
كتبت هذا المقال بعد أن تبين لي أن الكثيرين يشاركون صديقي سامي في تفكيره، سواء من العرب أو «الخواجات»!
***
من المنطق أولاً، عدم مقارنة وضع وحجم أميركا، أو أي من الدول الغربية الكبرى، ككندا وأستراليا وألمانيا وفرنسا وغيرها، وقوتها العسكرية، وقوانينها واستقرارها السياسي، بدولة مثل الكويت، التي بالكاد يصل تعداد مواطنيها إلى مليون ونصف المليون، مقارنة بأميركا التي قارب عدد سكانها الـ350 مليون نسمة، وباستطاعتها تجنيس ما يقارب %1 من سكانها كل بضع سنوات من دون خوف من تخلخل النسيج الاجتماعي، أو تأثر الوضع السياسي للدولة. بينما تجنيس البدون في الكويت يعني إضافة 120 ألفاً لأعداد المواطنين، أو ما يقارب زيادة فورية تبلغ %8 على عدد السكان الحالي، وهي زيادة يمكن أن تشكل خطورة هائلة على وضع الدولة الداخلي، أمنياً ومعيشياً، وسيكون لها تأثير سلبي واضح وسريع على مستوى الرفاهية، فجميع هؤلاء لا يمتلكون بيوتاً مثلاً، ولا وظائف حكومية، ولا رخصاً تجارية، ودخولهم سوق العمل والسكن، وإدراجهم في قوائم مختلف المساعدات الحكومية والإعانات والدعوم وصناديق التقاعد وغيرها من مزايا، سيخلقان ضغطاً هائلاً ليس للأجهزة الحكومية وقدراتها ولا المواطنين التجاوب معه وتحمله.
كما أن أصول كل البدون معروفة، وانتماءاتهم معروفة، ولا مجال للتغاضي عن هذه الحقائق لمجرد أن بعض هؤلاء، أو آباءهم، اختاروا إتلاف كل ما كان بحوزتهم من مستندات تثبت حقيقة انتماءاتهم، والأخطر من ذلك أن أغلبية البدون ينتمون إلى دول ليس بيننا وبينها علاقات «طبيعية %100»، ولا تزال قضايا الحدود عالقة بيننا وبينها، وبالتالي إدخال مواطني هؤلاء في النسيج الاجتماعي، بين ليلة وضحاها، سيخلق وضعاً أمنياً وسياسياً حساساً، خصوصاً أن أصواتهم «الانتخابية» سيكون لها تأثير مزلزل على نتائج الانتخابات القادمة، ومن الأفضل التروي في البت في هذا الملف الخطير والمعقد. وما يحدث منذ فترة من اضطرابات أمنية واجتماعية دينية وعنصرية في دول أوروبية عدة نتيجة استيعابها السريع للبدون، أو المهجرين لديها، خير دليل على خطورة هذا الملف.
***
من جانب آخر، لا يمكن القبول باستمرار وضع هؤلاء إلى الأبد، ويجب وضع خطة بحيث يمكن دمج فئات منهم، ضمن كوتا محددة، في المجتمع على مدى السنوات المقبلة، بحيث يحصل على الجنسية من تنطبق عليه شروط التجنيس من معدل دراسي عال، وتخصصات علمية مطلوبة محلياً.
الحلول لوضع هؤلاء موجودة، وما علينا غير أخذ القرار المناسب والسير فيه، والبدء بمن ثبت استحقاقهم للجنسية الكويتية، منذ سنوات.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw