دعونا نرسُ على ميناء محدد

تسعى حكومات الدول المتقدمة التي تحترم شعوبها، لنشر الثقافة والأدب بين افراد الشعب وتحببهم بفنونهم وفنون الدول الأخرى، لما لها من تأثير إيجابي على الذائقة العامة.

أما الدول المتخلفة، والدكتاتورية، فإنها تقوم بعكس ذلك تماما، حيث يتلاشى الاهتمام بالثقافة لديها، طالما أنها لا تخدم أجندة الحزب الحاكم. أما الدول الأقل تخلفا فإنها تعطي شعوبها قشور الثقافة، وأطرافا من الأدب والهابط من الفنون، لكي تدعي أنها حكومات واعية ومتقدمة وتهتم بهذه الأمور!
***
عاشت الثقافة لدينا وعاش الأدب، ومعهما الفنون، في اعتلال صحي واضح مع وصول جحافل قوى التخلف، وتكرر دخول وخروج الثقافة للعناية المركزة، ثم أصيبت مؤخرا بما يشبه الغيبوبة، التي طالت كثيرا، بعد رفض الحكومة التجديد لمديرها السابق «علي اليوحة»، الذي جاهدنا لأن يبقى في منصبه، لكن قوى التخلف كانت تحظى بأهمية أكبر لدى الجهات المعنية، فغاب «المجلس الأعلى للثقافة والفنون والآداب» عن شاشة الرادار، وغابت أشياء معه!
***
جاءت وسائل التواصل، ووجدت فيها بعض الحكومات أداة رهيبة لنشر ما تريد من ثقافة خربة، وأدب متدن، وفن هابط، خاصة بعد أن فتحت، بأدواتها، باب الموضوعات الدينية والافتاء من خلالها، فأصبح لدينا «وعّاظ السوشيال ميديا»، الذين يدارون من أجهزة داخلية وخارجية مجهولة الهوية والانتماء!

وفي هذا الصدد يقول الزميل «محمد طلبة رضوان» إن إحدى أهم خطط اللعبة المجرّبة والمضمونة هي إعادة طرح الأسئلة التافهة، بعد منحها أبعاداً عميقة ومركّبة وخطيرة، مثل، هل تجوز تهنئة النصارى بالكريسماس؟ يأتي السؤال من جراب الحاوي نفسه، الذي شغلنا لعقود بأسئلة مثل، هل يجوز كشف وجه المرأة، أو حلق لحية الرجل، أو إسبال الإزار، ولبس البنطلون، والشرب أو التبول واقفا؟ وآلاف الأسئلة المماثلة، التي لا تقل تفاهة وبديهية، ومنتهية الصلاحية، مثلها. علما بأن الخلاف حولها «متفّق عليه» والآراء حولها معروفة، ومحفوظة، وتسمح بأن يأخذ كلٌّ ما يطمئن إليه، وينتهي الإشكال الذي لم يكن يصحّ أن يبدأ أصلا، لكن أصحاب الأسئلة التافهة، والخطابات التافهة، والقضايا التافهة، نجحوا في تحويل هذه اللا أسئلة إلى أسئلة العصر، وتحويلها من فرعياتٍ إلى كليات، ومن متغيّرات إلى ثوابت!
***
لقد خسر كثيرون من فتاوى تحريم الاكتتاب في شركات مساهمة ناجحة، وأفتى غيرهم بتحريم إسقاط القروض، أو تحريم خروج المرأة من بيتها، حتى للدفاع عن وطنها، إن وقع تحت الاحتلال، وكلها فتاوى غير مطلوبة في دولة عصرية لديها مختلف الجهات التي تقرر ما هو صالح للمواطن، ولكن يبدو أن تصحيح المسار أصبح أمرا غير مسموح به، وعلينا قبول السير في اتجاه مخالف، حتى لمسار أفضل حماتنا واشقائنا.

أصحاب الأسئلة التافهة، والفتاوى الغريبة وغير الضرورية، موجودون بيننا، لأن جهة ما في الحكومة، ربما، تريدهم أن يكونوا موجودين ومؤثّرين، فهل الدولة تدار من قبل الحكومة، والقوانين تشرع من المجلس أم أننا خاضعون تماما لسلطة رجال الدين وغيرهم؟

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top