أوضاع وطني.. ومشكلتي.. والقبس

مشكلتي مع القبس، منذ بدأت أكتب فيها قبل 30 عاما، أن ما أود الكتابة عنه أكثر مما بإمكانها نشره، فتتراكم المقالات، ويفوت أوان نشر بعضها فأقوم بشطب ما أرهقتني كتابته، فأنا لست بالكاتب المحترف صاحب القلم السلس، بل مجرد رجل أعمال يهوى الكتابة.
***
غردت قبل أيام بأننا نمر بأزمة سياسية وصراع بين الحكومة والمجلس، وبالتالي على الطرق الخربة الانتظار، وعلى منتظري طرح المناقصات التحلي بالصبر، وعلى القوانين ومشاريع التنمية الوقوف على خط الانتظار، وعلى برامج التطوير الصحي الصبر، فكل هذه الأمور وغيرها الكثير سينتج عن تأجيلها خراب وخسائر وتأخير، ولكنْ مقدور على تحمل تبعات تأخيرها، إلى حد ما، فلن يموت الراعي في النهاية ولن تفنى الغنم.. ولكن هناك أمرين لا يحتملان التهاون ولا الانتظار من الانتهاء من هذه المشكلة السياسية، أو تلك المعضلة الدستورية، وهما التعليم والأخلاق.. فمتى ما فسد التعليم وخربت الأخلاق فسد كل شيء معهما!

قضية تسريب اختبارات الثانوية العامة، وما تبين عن تورط أكثر من 40 ألف طالب في حالات غش بينة، بخلاف العديد من كبار إداريي الوزارة ونظار المدارس والمشرفين على الامتحانات، وجيش من المساعدين وأولياء أمور.. كل هذا الرقم الرهيب من الطلبة الغشاشين، والأموال التي دفعها الآباء والأمهات لأبنائهم لشراء أجوبة أسئلة الامتحانات المسربة، وشراء سماعات الغش، هي دليل مخيف على غياب كامل للقيم!

إن قضية الغش هذه لا تمس المتورطين، من طلبة ومدرسين، بل الأمة بكاملها، من حكومة وشعب، فقد حدثت في السابق حالات غش جماعية كبيرة، وكان مصيرها التهوين من خطورتها، والتستر على مرتكبيها، فتولد لدى الأمة أن هذا ما ينفع ويجدي، أو هذا ما تريده الإدارة الحكومية، ربما، أو هذا ما يريده بعض الوزراء لكي «يبيضوا» صفحاتهم أمام القيادة الحكومية، من خلال أرقام النجاح المرتفعة!

لو كنت مكان وزير للتربية لما اكتفيت بتقديم استقالتي، بل لأقدمت على الانتحار، ولكننا نعيش في وقت ذهبت فيه المعايير إلى غير رجعة.
***
مجرد التفكير في حجم هذه الجريمة أمر مرعب بالفعل. ولا شك في أهمية الإجراءات التي قامت أو ستقوم بها وزارة التربية لمعالجة الأمر، والتصرف مع هؤلاء الغشاشين، ومن سهل لهم الغش، ولكن يتوقع أن تكون هناك تدخلات، ووساطات، وسيخسر من لا ظهر له، ولا يعني ذلك أن المسألة أو الغش لن يتكرر مستقبلا، فقد تم اختراق حاجز العيب، وأصبح الغش عرفا قائما له من يحميه ويروج له، بعد أن وصلت الأخلاق للحضيض، فنحن في أزمة أخلاقية حقيقية، والدليل على ذلك، وهو دليل مرعب ومؤلم، أننا لم نسمع، حتى كتابة هذا المقال، صوت استنكار أو احتجاج أو اندهاش أو ألم من حجم وهول الفضيحة من أي طرف معني في وزارة التربية، أو من النواب ورجال الدين والدعاة الذين طوشوا آذاننا بتكرار كلامهم عن الأخلاق والقيم السلبية!

لقد سئمنا ونحن نطالب بتدريس الأخلاق وبكثافة، ولكن ما من مجيب، فلمن نلجأ؟

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top