الخطيئة الصامتة والمنسية

عندما نتساءل عن كبار المسؤولين، أو الوزراء بالتحديد، الذين تسببوا في خسائر كبيرة للمال العام، أو بسبب سوء الإدارة، فإن أسماء عدة وزراء ومسؤولين تطفو على سطح الذاكرة، ولكن أكبرهم ضررا - بتقديري - أراه كان وزير النفط السابق محمد صالح البصيري، الذي قام منفردا، قبل عشر سنوات، وبقرار اتسم بالكثير من الطيش، بالتسبب في خسائر بلغت مليارات عدة من الدنانير، وهي خسائر أو خطيئة مستمرة في آثارها السلبية لأجل غير معروف.

بدأت «الخطيئة الصامتة» عندما قام الوزير، وهو محسوب على الإخوان، برفع رواتب العاملين في القطاع النفطي بنسب عالية تجاوزت الـ%50، بحجة أنهم «يستاهلون» وبأن تلك الزيادات لن تدفع من المال العام (!!) بل من الأرصدة النقدية التي تمتلكها مؤسسة البترول، وكأن أموال المؤسسة ليست أموال الدولة، فما أكبرها مصيبة، وما أفدحها من خسارة!
***
كشفت بيانات رسمية مؤخرا أن البدلات والمزايا التي يحصل عليها العاملون في مؤسسة البترول الكويتية والشركات التابعة، تستحوذ على أكثر من %72 من إجمالي الإنفاق على رواتب العاملين بالقطاع، حيث بلغت 1.1 مليار دينار، من أصل 1.52 مليار دينار أنفقت على 22 ألف موظف خلال 2021ــــ‏‏2022.

الأمر لم يتوقف عند مؤسسة البترول، بل انتقلت عدوى الزيادة لجهات حكومية عدة، قبل أن تستدرك الحكومة الأمر وتوقف مسلسل الهدر الرهيب.

اليوم، وبعد عشر سنوات، أصبح متوسط الراتب الشهري للعامل في القطاع النفطي يبلغ نحو 6 آلاف دينار، مقارنة بمبلغ 1500 دينار لغالبية موظفي الحكومة، حيث يحصل موظفو النفط على 7 بدلات لعلاوة غلاء المعيشة، والعلاوة الاجتماعية، وبدل سكن وبدل انتقال، وبدل وقت وبدل مناوبة وأخرى بقيمة 190.56 مليون دينار، فيما يتبع البدلات تصنيف آخر يضم العمل الإضافي الذي حصل عن طريقه موظفو القطاع النفطي على 79.55 مليون دينار خلال السنة المالية الماضية.. فقط!

كما يحصلون على 11 بنداً من المزايا بلغت قيمتها الإجمالية نحو 602.4 مليون دينار، وتتوزع على إسكان العاملين ومساعدات تعليمية، وتذاكر سفر الإجازات، ومكافأة نهاية الخدمة، وتقاعد العاملين، وخدمات طبية، وتأمين.. إلخ

كما حصلوا فوق ذلك على مكافآت تشجيعية، وخدمات اجتماعية، ومنح إضافية، وصرف كبير على التطوير والتدريب الوظيفي.

وسبق أن أكدت إدارة المؤسسة أن سياسة التقشف وتخفيض المصاريف، لن تقترب من رواتب العاملين ومزاياهم.

وورد في تقرير دولي أن رواتب القياديين في شركات نفط الكويت أعلى من رواتب القياديين في شركة أرامكو، الشركة الأكبر والأكثر ربحية في تاريخ البشرية!

وكل هذا سببه قرار وزير سابق، ولم يحاسبه أحد على ما فعل، ولا حتى بكلمة واحدة، بل زادت شعبية حزبه لدى الحكومة، مع زيادة الاستعانة بمن على شاكلته!

نتمنى أن يتمكن من يقف وراء فكرة «البديل الاستراتيجي» من ردم هذه الهوة الرهيبة، ويعيد الحقوق لأصحابها!

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top