ظلم المثليين

سَنَّ بعض النواب، من محددي الاتجاه ومحدودي التفكير، ومن يتبعهم من سياسيين وحزبيين فاشلين، سكاكينهم لتقطيع أوصال المثليين، الشاذين أو المتشبهين بالجنس الآخر، مطالبين الحكومة بسجنهم وتغريمهم بمبالغ كبيرة، ولو صح الأمر لهم لطالبوها بالقضاء عليهم أو إفنائهم.
 
يعلم مدّعو الغيرة على الأخلاق هؤلاء، وغالباً لا يعلمون حقيقة أمر هذه الفئة، ولا نظرة الدين لهم، وفي الحالتين هم مجرمون بحقهم، فكيف يدينونهم، والكثير من النصوص الدينية تنصفهم؟

في أحكام المواريث هناك ما يطلق عليه «ميراث الخنثى المشكل»، وهو أحد أبواب فقه المواريث! والخنثى المشكل هي أو هو الوارث الذي أشكل حاله على من هم حوله، ولم يتبيّن هل هو من الرجال أم من النساء؟ فمن خلال تحديد ميوله وشكله، أو تفحصه، يمكن اعتباره ذكراً، فيحصل على سهم كامل، وإن كانت ميوله وشكله أقرب للأنثى، فهنا تحصل على نصف ما للذكر!

وتختلف المذاهب فيما بينها في كيفية تحديد جنس «الخنثى المشكل»، وهناك اجتهادات أخرى خارج ذلك، ولكن الجميع يقرّ بوجود وضع يجب التعامل معه بطريقة إنسانية، فهم موجودون بيننا، وإنكار وضعهم أو وجودهم يمثل ظلماً، كما أنه غير مجد، ولا توجد قوة يمكنها إنهاء وجودهم، أو إفناءهم، فهم جزء من البشر منذ وجدوا!

كما نجد النص القرآني التالي في سورة النور: «أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ».

ومعنى ذلك إن بعض الرجال يتبعون من يماثلهم، ولا يكترثون للنساء، ولا يشتهونهن.

كما أن الزينة التي تبديها المرأة لهؤلاء، فإنها لا تبديها إلا لزوجها، وإن التابعين ذوي الإربة هم الذين لا يهمهم إلا بطونهم، ولا يخافون على النساء، ولا يعرفون شيئاً عنهن، وغير أولي الإربة هو الذي لا تستحيي منه النساء ولا أرب له فيهن.
***
من كل ذلك نتبين أن أمر هؤلاء ووضعهم ووجودهم، منذ الأزل، بيننا معترف به فقهياً وإنسانياً، ويتم التعامل معه، في غالبية دول العالم، على هذا الأساس، فهذه الظاهرة لا تتعلق بعصرنا، أو نتيجة اختلاطنا بالكفار، كما يروّج بعض السذج، بل الأمر في غالبه يعود لطفرات أو عيوب «خلقية» جينية، لا ذنب للشخص بها، فكيف نعاقب بالحبس والغرامة، وحتى بالنفي في الأرض، من لا ذنب له فيما هو عليه؟
***
نكرر للمرة الألف، وخاصة لمن في قلوبهم مرض، بأن وقوفنا مع أصحاب هذه الفئة نابع من إيماننا بحقوق الإنسان، فلا ذنب لأغلبيتهم الساحقة فيما هم عليه من اختلاف نفسي أو بدني عن البقية، ولا يشكل ذلك سبباً لنبذهم والسعي إلى إفنائهم!

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top