بيت السفير محمد
في بداية الاستقلال كانت مهنة الدبلوماسي جاذبة ومغرية مادياً ومعنوياً، وكانت القيادة تحرص على أن يكون ممثل رأس الدولة بمستوى رفيع من الفهم والخبرة، وتم بالفعل تعيين الكثير من أصحاب الكفاءات سفراء، وأحياناً كثيرة، من خارج السلك الدبلوماسي، وهذا متبع في دول متقدمة عدة، وخاصة إن كانت الدولة المبتعث لها تتمتع بميزة خاصة! فسفراء الكويت كافة للدول الكبيرة كانوا، ولا يزالون، من خارج السلك الدبلوماسي، وليس في ذلك أية إساءة للعاملين في السلك، فلهم كامل احترامهم.
مرت الكويت من منتصف السبعينيات وحتى ما قبل الغزو والاحتلال الصدامي الحقير، بحالة انتعاش اقتصادي كبيرة، استفاد منها الكثيرون وحققوا لأنفسهم ثروات لا بأس بها، إن كان من خلال المضاربة الحصيفة في الأسهم، أو المشاركة في الاكتتاب في أسهم العديد من الشركات التي طرحتها الدولة للاكتتاب العام، سواء الجديدة منها أو تلك التي تم بيعها للقطاع الخاص. وكان سفراء الدولة، أو دبلوماسيوها في الخارج، من الذين لم يستفيدوا من «موجة الثراء» تلك، إما ترفعاً أو غالباً بسبب عدم علمهم بها، أو انشغالهم بمهامهم بعيداً عنها.
عاد هؤلاء إلى أرض الوطن بعد سنوات خدمة طويلة متنقلين من درجة دبلوماسية لأخرى، ليجدوا أن الدنيا تغيّرت كثيراً خلال فترة بقائهم في الخارج، وإن الكثير من زملائهم، الذي بقوا في الكويت، استفادوا من الوضع وأثروا مادياً. كما اكتشف البعض أنهم مقبلون على تقاعد قريب، وفرصتهم في الحصول على بيت سكن يليق بهم وبسابق تاريخهم، ضئيلة جداً، فاكتفوا باستئجار شقة أو فيللا للسكن فيها باحترام، من دون أن يقبلوا على أنفسهم الطلب من الجهات الحكومية معاملتهم بطريقة أفضل.
***
التحق الأخ محمد فاضل خلف صغيراً بوالده قبل 60 عاماً، حيث كان يعمل دبلوماسياً في تونس، وغادرها بعد 12 عاماً، بعد تلقيه تعليماً راقياً في مدرسة الراهبات هناك، ومدارس مميزة أخرى، ثنائية اللغة، وبالذات العربية والفرنسية، إضافة للإيطالية.
التحق بعدها بجامعة بيزانسون الفرنسية المعروفة، ثم جامعة غرونوبل عام 1980 ونال الماجستير من جامعة بروكسل في العلاقات الدولية.
أسوة بوالده، التحق السفير محمد بالخارجية عام 1982، وبعد سنوات عمل طالت لأربعة عقود، تقاعد مؤخراً، وعاد لوطنه، الذي عاش بعيداً عنه من عام 1962، بسبب ظروفه الأسرية وظروف عمله الوظيفية!
بسبب اعتماده الكلي على الراتب الشهري، فإن حلمه في امتلاك بيت كان يصطدم دائماً بالتسارع الكبير في أسعار العقار، والذي كان يسبق أحلامه وإمكانياته، ولم يستطع بالتالي تملّك بيت العمر، وهو الآن في بداية تمتعه بالتقاعد بعد خدمته الوطنية الطويلة، والمرهقة!
***
لدى أملاك الدولة بيوت عدة فارغة، وأكثر من يستحقها أمثال السفير محمد فاضل خلف، الذي لم تسمح له عزة نفسه بالتقدم بهذا الطلب لأية جهة، فقررت، بمبادرة شخصية مني، الكتابة عنه وعن ظروفه، وليست فقط رغبته، بل وحقه في تملك بيت أسوة بمن يقلون عنه فضلاً وخدمة لوطنهم، مع الاحترام لشخوصهم!
هل سيجد طلبنا المتواضع والمحق هذا أذناً صاغية ممن بيده الأمر، والحل والربط.
نتمنى ذلك.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw