الخوف من الظلام الإيراني (3-2)
لا أعرف من شعراء ايران الكبار غير سعدي وحافظ وفردوسي، وعمر الخيام. وبخلاف الأخير لا تتعدى معرفتي بالآخرين الاسم فقط، فلا شيء عن تاريخهم ولا اشعارهم ولا حتى اتجاهاتهم الفكرية، وبالأمس فقط، بسبب سياسة التجهيل بالآخر المتعمدة، وخصوصا «المختلف» عنا، اكتشفت أن في ايران شاعرا كبيرا، هو بهار، (1884-1951)، ويلقب بملك شعرائها، ويعتبره البعض بمنزلة شوقي أو المتنبي، عند العرب، وان بصورة عصرية، ومع هذا لم أسمع به في حياتي، و لم أعلم عنه شيئا، وهو الذي احتفلت بعض دول آسيا، السوفيتية السابقة، وليس ايران، بذكرى ميلاده الـ125!.
يعتبر بهار من سياسيي ايران الحديثة ومثقفيها، وله نصوص أجنبية ونشاط صحفي، وبالرغم من أنه عاش في القرن العشرين فان اشعاره تتسم بتقليدية واضحة. تتلمذ بهار على يد والده مجمد كاظم صبوري، رجل الدين والشاعر في بلاط مظفر الدين الذي منحه لقب «ملك الشعراء». كان بهار يتقن التحدث والكتابة بالعربية، وأتقن الفرنسية في سن مبكرة، وعندما كان في الـ 18، وهي السن التي تيتم فيها، تحول لرجل دين ووضع قصيدة مطولة بالفارسية أهداها لمظفر شاه فأعجب بها ومنحه لقب «ملك الشعراء» وهو لم يتجاوز الــ 19، ولكن مع بدء شرارة الثورة الدستورية (1906-1911) تخلى بهار عن لقبه ولحق بالثورة التي طالبت بالديموقراطية وببرلمان، وأصبح انشط أعضاء الثورة في مدينة مشهد، مسقط رأسه، التي أسس فيها صحيفتي خراسان وتازه بهار، وطالب من خلالهما باجراء اصلاحات سياسية وادارية شاملة وبدستور حديث، وعندما نجحت الثورة في مساعيها انتخب بهار لمرات عدة عضوا في البرلمان. وفي عام 1918، في عهد آخر ملوك الأسرة القاجارية، أعاد بهار تشكيل حياته وتخلى عن مهمته كرجل دين، وأصبح شخصا جديدا منفتحا، وساهم مع آخرين في الانفتاح على الأدب والثقافة الغربية. وفي عام 1934، افتتحت جامعة طهران، فأصبح استاذا للآداب فيها. وخلال حكم رضا شاه، والد آخر شاه لايران، عمل بهار لفترة وزيرا للثقافة والتعليم، واصيب بعدها بالسل ومات عن 67 عاما، بعد ان وضع بصماته الواضحة على الأدب والثقافة الايرانيين.