من أسباب تخلفنا
يعتبر ماكس فيبر، (1920 1864- )، عالم الاقتصاد والسياسة الألماني المعروف ومؤلف «الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية»، أول من استخدم كلمة البيروقراطية. وسبق أن قال ان الدين عامل غير حصري في تطور الثقافة في المجتمعات الغربية والشرقية، ووصف السياسة كمهنة، وعرف الدولة بأنها الكيان الذي يحتكر الاستعمال الشرعي للقوة الطبيعية، وهو التعريف الذي أصبح محوريا بعدها. درس فيبر الأديان، وكان يرى أن الأخلاق البروتستانتية مثالية ومنها استقى نموذجه المثالي للبيروقراطية، الا أنه لم يطبق قط. كما اعتقد أن القاعدة الاقتصادية في الفكر الاسلامي غير صلبة بما يكفي لاي تطبيقات رأسمالية لمعارضته لمبدأ الفائدة، علما بأن غيره يرى أن الاسلام حابى الرأسمالية بأكثر مما حابتها اليهودية والمسيحية، فالتحالفات السياسية في صدر الاسلام مع طبقة التجار كانت أكثر وضوحا وقوة من علاقة اليهودية أو المسيحية بها والتي كانت تبغض المرابين وتعادي مبدأ الفوائد! كما كانت منطقة الشرق الأوسط، ولعقود طويلة، مركزا للتجارة العالمية، وبالتالي لا يمكن أن يكون هذا العداء الاسلامي للفوائد سببا للتخلف الاقتصادي. من جهة أخرى يعتقد البعض أن سبب تخلفنا اقتصاديا يعود للاستعمار! ولكن آخرين يعتبرون هذا تبريرا غير واقعي، فقد جلب الاستعمار معه الكثير الذي ساهم في تطور المنطقة وزادت في وقته نسبة المتعلمين، ولم يعرف عنه انه نشر الجهل بين المواطنين، بل حاول جلب المنافع لهم، كمثال حملة نابليون على مصر. وفي هذا الصدد قدم البروفيسور تيمور قوران المؤرخ والاقتصادي في جامعة دوك البريطانية في كتابة القيم «the long divergence: how islamic law held back the middle east» شرحا مغايرا لتخلف الشرق الأوسط اقتصاديا، حيث ذكر أن ذلك يعود لأسباب ثانوية تتعلق بممارسات محددة كالوقف ونظام الارث! فالنظام الغربي مثلا يقوم في غالبه على مبدأ نقل الثروة، كما هي، للابن الأكبر، وهذا يحفظها من التفتت. وعلى نقيض ذلك قواعد الارث الاسلامية، التي بالرغم من عدالتها بين الورثة، فانها تؤدي لتفتيت الملكيات الكبيرة وضياعها بين الورثة واستمرار تفتتها مع الزمن، والنتيجة أن الثروات الخاصة تداعت ولم تستطع دعم أو خلق استثمارات قادرة على خلق أو مواكبة اي ثورة صناعية، كما لاحظ تيمور أن الكثير من الشركات الناجحة تلاشت مع وفاة أحد الشركاء، خاصة ان لم يكونوا من العائلة نفسها. وقد رأينا في الكويت كيف حصنت اسر كثيرة نفسها من هذا الوضع، بحيث نصت عقود تأسيس شركاتهم على استمراريتها وعدم تصفيتها في حال وفاة شريك او اكثر، والأمثلة أمامنا اكثر من ان تحصى.