نوابنا والعراق
كتب يونس حنون مقالا في الحوار المتمدن تعلق ببعض الظواهر السلبية في وطنه العراق، وقال انه يتذكر عندما قاد صدام حسين حملة إيمانية، بعد ان سرق هو وابناؤه وعشيرته بلدا باكمله من اهله، بعد أن تحول فجأة لواعظ يتحف شعبه يوميا بنصائح الايمان والتقوى، ولم يتورع عن الاستمرار في تمثيله البائس بعد سقوطه، عندما كان يدخل قاعة المحاكمة متأبطاً مصحفا، وانتهى صدام وظن الكثيرون ان جرائمه ومذابحه لاكثر من ربع قرن يمكن أن تمحى، لأنه قال «الله اكبر» عند سماعه الحكم باعدامه. وانتهى زمنه الرديء، واعقبه اردأ منه، زمن الضحك على الذقون بالديموقراطية والانتخابات والاصابع البنفسجية، وبقيت صورة المحتال ماثلة امامنا نراها بشكل اوضح لكن في سيماء العشرات ممن اصبحوا سياسيين ومجاهدين رمدت عيوننا برؤية سحنهم التي تملأ شاشة الفضائيات والاخبار، وغيرهم من أفواج المنافقين من اصحاب السماحة والفضيلة الذين يتسابقون في اعلان ايمانهم وتقواهم وتمسكهم باهداب الدين واحكامه، وتيارات وأحزاب وحركات تدعي انها الاقرب الى الله من غيرها، وعمائم ومسابح ولحى وجباه مسودة تتصدر المشهد السياسي وتدعي انها مدعومة من المرجعيات والأنبياء والسماء، وصراخهم يعلو كل يوم بالدعاء الى الله ان يحفظ البلد ويحميه، نشاهدهم على رأس مواكب الزيارات متصدرين لصفوف المصلين وهم دائما اول الناس في الحث على الاعتصام بحبل الله والدعوة الى مكارم الاخلاق رغم انهم اكثر من مزق هذا الشعب وفرق ابناءه! وكيف أصبح إصلاح حال البلد الممزق، المنهك والجائع قضية ثانوية بجانب ضرورة بدء كل جلسة من جلسات مجلس النواب بتلاوة من القرآن، وبأن تتوقف الجلسات في مواعيد الصلاة، وان يذهبوا للحج جماعة! ورأيناهم ومن جاء بعدهم وهم يمارسون الركوع امام الكاميرات، ويكون صوتهم الاعلى وهم يتباكون على حقوق الشعب المظلوم لزوم خداع المغفلين ورفع العتب بعد ان حملوا الامانة في جيوبهم بدلا من اعناقهم، ومع كل هؤلاء المؤمنين من سياسيينا ونوابنا فإن البلد يمتلئ بالقتلة والسراق وكواتم الصوت والمفخخات والعبوات الناسفة. وينط دعاة ابليس ليتحفونا بين الفترة والاخرى بتفاهة يجعلون منها قضية كبرى عسى ان ينسى الناس بعدها الكهرباء والامن والتموين، فهذا مجلس محافظة البصرة يصدر قرارا بمنع بيع الخمور، ويتبعه مجلس بغداد، ويستمر القتل والاختطاف والارهاب وسرقة النفط، وكأن من يرتكب هذه الأمور هم من خريجي البارات، وكأن مشاكل الاسكان والمزابل والخراب والمشردين لا تحل إلا بغلق محلات بيع الخمور، ليصبح بعدها العراق جنة الله على الارض، أو كأن الذين فجروا انفسهم طمعا في الجنة كانوا يتعاطون الخمور، وأن فساد الحكومة ونهب ثروات الشعب والمشاريع الكاذبة والصفقات المشبوهة لم يقم بها سوى «العركجية»! وتبقى الحيرة مرتسمة والتساؤل قائما، من اين يأتي هؤلاء بكل هذا النفاق؟
ولو نظرنا لحال نوابنا في الكويت، وما ظهر على المعدمين منهم من مظاهر ثراء فاحشة، وكيف تقلبت مواقفهم، وانتقلت اصواتهم ذات اليمين وذات الشمال، خلال الاستجوابات الأخيرة، وقارناها بشديد تصلبهم في القضايا الدينية في الوقت نفسه، لعلمنا بأننا لسنا بأحسن منهم بكثير، فكلنا في الهم سواء!!
يقول غاندي: إن اعظم نجاحات الشيطان تحصل عندما يظهر وكلمة الله على شفتيه!