أُُكلت يوم أُكل مرزوق
من الأمور التي تحزُّ في النفس، وتجعل الإنسان الملتزم حائراً فيما يجب عليه القيام به، هو عندما يرى أمامه وضعاً مأساوياً وأخلاقياً خاطئاً، ومع هذا لا يرى من الآخرين إلا الصمت، مع أن بإمكانهم فعل شيء، لكنهم اختاروا الدوس على الحق بأحذيتهم، والسكوت، ليس خوفاً من عقاب، وهذا أمر يمكن تفهمه جداً، بل لأن مصالحهم السياسية القادمة، وما وُعدوا به من مزايا، يتطلبان منهم غض النظر، والتصرف بلا مبالاة، وكأن الأمر لا يعنيهم!
***
حدث ما يماثل ذلك آلاف المرات، منها خلال ارتكاب هتلر لجريمة حرق اليهود في الحرب العالمية الثانية، حيث كانت العديد من القوى تعلم بالأمر، لكنها فضلت السكوت.
وخلال حرب الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، وتعرُّض أقلية التوتسي لمذابح هائلة، إلا أن العالم اختار موقف اللامبالاة لفترة، كانت كافية ليلقى مئات الآلاف مصيرهم قتلاً.
كما لم يلق قمع الحريات السياسية وانتهاك حقوق الإنسان بصورة واضحة، في عشرات الدول، من تشيلي إلى الأرجنتين، وغيرها من دول أميركا الجنوبية ودول الشرق الأوسط، وجنوب شرق آسيا، غير الصمت والتجاهل التام من دول العالم الأخرى، وكانت النتيجة مأساوية في كل الحالات.
ولو سألنا كل الأطراف المعنية، أو المتنفذة، عن سبب صمتها، لما عجزت عن تقديم أسباب تتعلق بالمصالح السياسية أو الاستقواء الدولي أو الخوف من التدخل العسكري أو ضعف الإرادة السياسية للقيام بإجراءات فعالة.
***
مع الفارق، مرت الكويت، يوم أول من أمس، 11 يوليو 2023، بحالة مشابهة، سيتذكرها التاريخ السياسي، والأخلاقي، بألم شديد، وستتكرر استعادة أحداثها، يوم وقف النائب مرزوق الغانم وطلب نقطة نظام من رئيس الجلسة السيد أحمد السعدون، وأشار إلى مخالفة دستورية لائحية خطرة، تعلقت بقيام الأخير، منفرداً، بإضافة صفحتين كاملتين، تتضمنان كلمة سمو رئيس مجلس الوزراء، لمضابط الجلسة، من دون عرض الأمر على أعضاء المجلس وأخذ موافقتهم، علماً بأن للرئيس الاعتراض على ما يقال في الجلسة، وشطب ما يراه غير مناسب، وإن اعترض العضو على الشطب، فيعود لأعضاء المجلس الموافقة على الشطب أو إبقاء الوضع على حاله، لكن ليس من حق رئيس الجلسة إضافة حتى كلمة واحدة لمضبطة المجلس، لم يرد ذكرها في الجلسة، فكيف بصفحتين؟
هذه السابقة تعطي أي عضو، في أية جلسة مقبلة، حق تقديم طلب للرئيس بتضمين كلمات، أو جمل كاملة، على ما سبق أن ورد على لسانه في الجلسة السابقة، بحجة أنه نسي ذكرها، في كلمته!
المشكلة أن رئيس المجلس رفض اعتراض العضو النائب مرزوق الغانم، وتحجج بأن الورقتين وردتا إليه من سمو رئيس مجلس الوزراء، ورأى تضمينهما مضابط المجلس، في مخالفة صريحة لكل مبدأ ونص دستوري ولائحي، وطلب من الأعضاء التصويت على إقرار المضبطة، بما فيها من إضافات غير دستورية، فتم له ما أراد خلال ثانية واحدة، وسبق ذلك رفض الرئيس طلب النائبة جنان بوشهري التعقيب على كلام زميلها مرزوق الغانم، وغالباً، كما فهمت تالياً، لعلمه بأنها ستؤيد وجهة نظر الغانم، في مخالفة أخرى للائحة المجلس.
التعليق طويل، ولكن مختصره أننا أُكلنا يوم أُكل الثور الأبيض!
فاليوم دور مرزوق، وغداً سيكون الدور على غيره، وقد يكون أحمد السعدون نفسه.
الصمت المريب من 47 نائباً كان مؤشراً خطراً على المستوى الأخلاقي المتدني، الذي وصلت إليه السياسة الكويتية. ومن بقيت لديه ذرة أمل في أن الأوضاع ستتجه للأفضل، فسيراجع مواقفه قريباً... جداً!
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw