ماذا قالت وفاء؟ (2/1)
تقول الكاتبة والمحللة النفسية وفاء سلطان، تعليقا على الأحداث التي تجري في بلداننا، إن الدكتاتور هو ناتج حتمي للثقافة الدينية! وإذا كانت الثورات ضد الطغاة مشروعة، بل وهي واجب مقدس للإطاحة بهم، فالاهم أن نثور على ثقافة ساهمت، ولا تزال، في خلق هؤلاء! وأنها واجهت كثيرا من الأسئلة التي قد لا تستطيع الإجابة عنها، لأن مواجهتها تتطلب جهدا وصبرا أمام قطيع مغيب الوعي، لا يعرف إلا أن ينطح من يقف في وجهه، وهو في طريقه لمذبحه! وتتساءل لماذا اشتعلت الثورات اليوم، وليس من قبل، علما بأن هذا الواقع المأساوي مستمر منذ عقود، وليس هو اليوم اسوأ منه بالأمس؟ ولماذا بدأت في تونس وانتهت بسوريا ولم تمر على دول تفتقر أكثر الىا لحرية؟ ولماذا اجهضت في بعضها، ولم تسفر عن وضع أفضل، حيث يُفترض أنها نجحت؟ وهل هناك أصابع أو عوامل خارجية وراءها؟ وقالت ان هذا الهيجان الجماهيري له أسبابه التي يحددها الوعي وأخرى يفرضها حيز اللاوعي، فالاعتقاد أن المشاركين في تلك الحركات هم من المُحبَطين، الذين لم يعد أمامهم أي أمل في وضع أفضل قد يكون صحيحا، ولكن هذا الإحباط، إن أخذناه بمعناه السيكولوجي، لا يمكن أن يكون سمة لهؤلاء الثائرين، بل على العكس، فهم طبقة خرجت حديثا من دائرة إحباطها، واكتسبت قوة جديدة نفخت فيها روح التمرد. كما أن الإحباط يعني حالة من اليأس تجمّد صاحبها وتمنعه من أي حركة بغية تحسين وضعه. فهؤلاء ليسوا مُحبطين في الوقت الحاضر، بل هم خرجوا ـ ولو جزئيا ـ من حالة الإحباط التي عاشوها لسنين طويلة، أما من بقي منهم محبطا، فليس له دور إطلاقا في تلك الحركات، فمن غير المتوقع أن الطبقة التي تعيش في المقابر مثلا قد شاركت في أحداث ساحة التحرير! فبنظرة بسيطة على ما كان الشباب الذين تجمهروا في الساحة يلبسون ويتواصلون بتلفوناتهم ومن خلال الإنترنت، لوجدنا أنهم من طبقة حديثة الإحباط، وتحررت لتوها من جزء منه. وبقدر ما يسبب القمع إحباطا، تسبب الحرية ـ وخصوصا في بداياتها ـ إحباطا، وكما تزيد الحرية من فرص النجاح، كذلك تزيد من فرص الفشل. فالحرية تضع الشخص أمام خيارات جديدة ليكون معتادا على مواجهتها، الأمر الذي يشعره بمسؤوليته الشخصية حيال وضعه، بعد أن كان يحمّل السلطات القائمة مسؤولية هذا الوضع! وما لم يملك الإنسان المواهب والإمكانات التي تساعده على أن يخلق من نفسه الشخص الذي يريد أن يكون تصبح الحرية وبالا عليه، لأنها تعطيه الفرصة نفسها التي أعطيت لغيره، وماذا يفعل بهذه الفرصة ما لم يملك المواهب التي تساعده على الاستفادة منها؟ أي أن الحرية في تلك الحالة تعمق الفروق في الإنجازات بينه وبين غيره الأمر الذي يزيد من ضغوطه ويعمق إحساسه بفشله وبعجزه.