أهواء ملالي وشيوخ القرون الوسطى
يعيش غالبية مسلمي أوروبا الغربية، وبعض الأقليات الأخرى، في مجتمعات متعددة الثقافات، فلها ما يشبه المحاكم الشرعية أو المحلية الخاصة بقضايا الأسرة والارث وغيرها. كما يلعب رجل الدين دورا مهما في حياة هذه المجتمعات، وتم ذلك بفضل مجموعة من القوانين التي اقرتها برلمانات تلك الدول التي هدفت في البداية لخلق مناخ أفضل لهؤلاء المهاجرين. ولكن بعد مرور ما يقارب العقدين على هذا التسامح والتعدد الثقافي تبين لعلماء الاجتماع والسياسة وحقوق الانسان خطأ هذه السياسة، فقد استغل دعاة التزمت والتشدد، ومن المسلمين بالذات، تسامح مجتمعاتهم الغربية الجديدة في استمرار اضطهادهم للمرأة كابنة أو زوجة او اخت، أو حتى كأم، وكأنهم لا يزالون يعيشون في سابق مجتمعاتهم أو دولهم، سواء من خلال اجبارهن على الزواج المبكر، والعيش بالطريقة التي تناسب آباءهن أو الذكور من اخوتهن، أو الاقتران بمن يفرض عليهن، ورفض حقوقهن كبشر، وحتى ان تعلق الأمر بالدراسة واللباس، وعليه أعلنت السلطات الألمانية والايطالية والهولندية وغيرها فشل نظام تعدد الثقافات وأنها بصدد اعادة النظر فيه. وقال ديفيد كاميرون، رئيس وزراء بريطانيا، ان اتباع هذه السياسة زاد من تطرف الأقليات في بريطانيا، وان الدولة بحاجة الى هوية وطنية اقوى لمنع الآخرين من اللجوء إلى التطرف، وأن سياسة التعدد الثقافي دفعت كل طرف لأن يعيش منفصلا عن بقية المجتمع، وقلل هذا من درجة التسامح بينها بنسبة كبيرة. كما تحول المجتمع الغربي لغيتوهات، فهنا يعيش الباكستانيون، وهناك مسلمو الهند، ومنطقة ثالثة للايرانيين وغيرهم، وكل منها لها ثقافتها التي تساعدها على الاستمرار في رفض الانصهار في المجتمع الأوسع والأكبر. وليس بالمستغرب أن نسمع قريبا بقوانين أوروبية «تضيقية» جديدة تهدف إلى الاسراع في عملية انصهار الأقليات بدرجة أكبر في مجتمعاتهم الجديدة، ولو تطلب الأمر استخدام «عضلات الليبرالية»، ان جاز التعبير، في تحقيق ذلك، فلا يمكن ترك تربية النشء لعقلية النجوع والقرى التي قدم منها هؤلاء بحجة الحق في «التعدد» الثقافي، فحقوق الانسان يجب ألاّ تترك لأهواء ملالي وشيوخ القرون الوسطى.
***
ملاحظة: بسبب غيابنا الذي سيستمر حتى ما بعد رمضان، وبسبب فارق الوقت، يرجى ممن يرغب في الاتصال بنا عدم إرسال رسائل نصية والاكتفاء برسائل الايميل.
وشكرا للجميع