فيتوريو الطيب والجميل
في حواري غزة المنغلقة وأحياء مصر السلفية، كما في أفغانستان طالبان المتخلفة وأماكن أخرى، يؤمن الفكر المتشدد القادم من غياهب كهوف العصور الوسطى أن الذقون الطويلة والجلابيب الواسعة والجباه المفروكة بالأرض والأعين الغائرة المخفية وراء النقب أجدر بالاحترام والتبجيل من كل تراث الأمة وثقافتها، ولو كانت تعود لآلاف السنين! واننا أفضل الخلق وغيرنا لا يستحق غير القتل وتراثه لا يعني شيئا!!
***
ترك فيتوريو اريغوني، وطنه الجميل إيطاليا، بكل ما فيها من حضارة وتقدم ورفاهية وسعادة وحانات وصبايا ورفاق وسيارات سباق وحفلات وسواحل ومنتجعات وأهل وخلان ورحل إلى غزة، أكثر أماكن العالم اكتظاظا بالسكان وحرمانا من الأمن والغذاء، ليعيش في حواريها القلقة وشوارعها المضجرة التي يلبد الموت عند زواياها، ليشارك أهلها ما يأكلون من ابسط الطعام وأقله نفعا وليظهر تضامنه مع الشعب الفلسطيني بكل محبة وإخلاص وليدافع بجسارة عن حق هؤلاء في العيش بكرامة وليكافح معهم لكي يحصلوا على وطن مستقل، وليفضح انتهاكات سلطات الاحتلال ويعري وجه المحتل البشع ويفضح جرائمه، وبدلا من أن يموت برصاصة إسرائيلية، فإنه يختفي فجأة عن وجه الأرض ويعثر عليه مشنوقا على أيدي أكثر المتدثرين بعباءة الدين تشددا ومن يمين يمين السلف الأقرب للتلف!! لم يقتل لأنه جاسوس أو خائن أو عميل بل لأنه من ملة أخرى، ولم ينطق قط بالشهادتين، ولا يعرف اصول الدين فهو كافر وكل كافر مآله النار وبئس القرار، فوجوده بين شباب غزة مفسدة وطريقة عيشه مفسدة أكبر، ويجب أن يرحل عن هذه الدنيا، وهذا ما حدث له في نهاية المطاف، لأنه حاول أن يكون فلسطينيا أكثر من غيره، وهنا كان خطأه القاتل.
الوداع يا فيتوريو، الطيب والبريء، فشواطئ غزة ستبكيك كثيرا وسيندم قاتلوك يوما على فعلتهم، إن بقوا أحياء!!