لنتعلم من الصين شيئاً
تعتبر الصين من أكثر اقتصادات العالم نموا، وستتجاوز قوتها الاقتصادية أميركا عام 2020، فنموها المستمر منذ ثلاثين عاما بنسبة %10 سنويا أثار انتباه مارتن جاكس martin jaques كاتب العمود في «الغارديان»، فوضع كتابwhen china ruled the world حاول فيه تحليل سر قوة الصين واستمرار نموها، وتوصل إلى نتائج مثيرة، حيث يقول انها المرة الأولى التي يتقدم فيها اقتصاد خارج المنظومة الغربية بتلك السرعة والثبات، وان هذا قضى على الاعتقاد الشائع بأن كل تقدم اقتصادي يعني قربا أكثر للحضارة الغربية، فالصين، بنظره، لن تصبح غربية أبدا، كما أنها دولة في أمة أو سلالة، فتسعون في المائة من الصينيين يؤمنون بأن اصولهم تعود لسلالة الهان han، التي تعود لألفي عام، وهذا ما يوحدهم ويجعلهم يشعرون بأنهم جسد واحد. فالاحساس بالصينية لا يأتي من الانتماء لدولة بل لسلالة تدين بالولاء للأجداد وتعطي أهمية قصوى للعلاقات العائلية ومبادئ كونفشيوس وقيمه، وبالتالي تستمد قوتها من كونها دولة حضارة وليس دولة كيان سياسي، فلا يمكن إدارة كل ذلك الاتساع الضخم وبعدد سكان يتجاوز المليار و300 مليون من «بكين»، بل يتطلب الأمر وجود قيم تساعد السلطة في عملها، فهم لا يعتقدون بأنها جسد دخيل أو مؤقت يتطلب الأمر تغييره بين الفترة والأخرى بحزب أو نظام آخر، كما هو الحال في المجتمعات الغربية المتقدمة، بل هي عضو في العائلة وكبيرها غالبا، وهي المؤتمنة والمكلفة المحافظة على الحضارة الصينية وسلالة الــ«هان»! كما أن السلطة أو الدولة في الصين لم تواجه في تاريخها تحديات كالتي واجهت المجتمعات الغربية كالكنسية أو الارستقراطيين، الذين صودرت ممتلكاتهم أو التجار،، بل بقيت من غير تحد حقيقي للألف عام الأخيرة، وبالتالي فإن الولاء للقيادة أكبر منه في اي ديموقراطية غربية. وشعور الصينيين بأن أصولهم تعود للهان، بخلاف الدول الأخرى ذات الكثافة العالية، كالهند وأميركا والبرازيل واندونيسيا، جعل منهم مجتمعا مترابط الهوية، ولكن لمثل هذا الفهم عيوبه الثقافية لأنه يجعلهم ينظرون للآخر بغير اكتراث أو احترام.