الإعلان العالمي وعبدالله السالم
يعتبر «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» الذي صدر في 1948 أعظم وثيقة في التاريخ البشري، فقد تضمنت هذه الوثيقة أسسا حيوية عامة بطريقة لم تصل اليها أي مرجعية أخرى. ولو طبقت كل دولة موادها الثلاثين بصورة جيدة لوصل البشر الى الوضع المثالي، والذي لا يمكن تحقيقه بالتطبيق المجتزأ للإعلان بحجة عدم ملاءمة بعض مواده لظروف هذه الدولة أو تلك. فحقوق أعضاء الأسرة البشرية يجب عدم التهاون بها، فما يحصل حاليا، وسيحصل مستقبلا من اضطراب في دولنا، ودول كثيرة أخرى، يعود في الدرجة الأولى إلى عدم إيمان الكثير من حكوماتنا بحقوق الإنسان، وازدرائهم لها بحجة عدم اتفاقها مع «عاداتنا وتقاليدنا»، الأمر الذي جعل من عدم المساواة والتفرقة جزءا من ثقافتنا، وأدى في النهاية لترسيخ الحكم الفردي المطلق. فعالم لا يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة لا يمكن أن يتحرر من الفزع والفاقة، كما ان الكرامة البشرية لا يمكن ان تتحقق بغير تمتع الرجال والنساء بحقوق متساوية، لأنهم يولدون جميعا أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، فلا يجوز استعباد البشر، أو حتى أن يكونوا رعايا وليس مواطنين، كما يجب ألا يميز بينهم بسبب العنصر، اللون، الجنس، اللغة، الدين، الرأي السياسي وغير ذلك من الحقوق. كما أن لكل فرد حق التمتع بجنسية ما، وللرجل والمرأة، متى بلغا سن الزواج، حق الاقتران وتأسيس أسرة من دون قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله. وألا يبرم عقد الزواج إلا برضا الطرفين الراغبين فيه من دون إكراه، وأن لكل شخص الحق في حرية التفكير والاعتقاد، ويشمل هذا الحق حرية تغيير الديانة وحرية الإعراب عن الرأي وإقامة الشعائر ومراعاة الحكومات لها. كما أن لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية، كما لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون اختياراً حراً. وأن لكل شخص الحق نفسه الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد. وإن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية تجرى على أساس الاقتراع السري وعلى قدم المساواة بين الجميع، أو وفق أي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت. كما أن للآباء الحق الأول في اختيار نوع تربية أولادهم. ولا يجوز بالتالي إجبارهم على قبول تعليم لا يرغبون فيه لأبنائهم.
ولو تمحصنا بتجرد هذه المبادئ العامة لوجدنا أن مدى قربنا، أو بعدنا عنها، يحدد مدى «إنسانيتنا» الضامنة لاستقرار مجتمعاتنا، التي أصبحت اليوم اكثر بعدا عن تلك المبادئ مما كانت عليه قبل عقود قليلة، ولا مفر بالتالي من الاعتراف بكل بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إن اردنا لمجتمعاتنا الاستقرار والازدهار.
***
ملاحظة: لم ينل أي من أمراء الكويت قدرا من عدم رضا «البعض» عنه ما نال الأمير الراحل عبدالله السالم. واليوم اكتشف هؤلاء «البعض»، في خضم كل هذا الاضطراب الذي تعيشه دولنا، أن ما أقدم عليه ذلك القائد الفذ قبل نصف قرن، هو الذي يشكل الآن ضمانة الحكم، وتآلف فئات المجتمع كافة.