لذة الكتابة اليومية ومعاناتها
يبدو أن الكتابة اليومية، سواء على شكل مقال أو تكملة فصول رواية، أو تدوين خواطر ومذكرات أصبحت، مع الوقت جزءا من حياتي، وأمرا لا مفر منه، على الرغم من أنها لا تدر علي شيئا ماديا، بل ربما خسرت بسببها الكثير، من مال وصداقات، لكن يبدو أن لذة الكتابة تفوق بكثير مضارها، فالكتابة، واليومية بشكل خاص، ليست عملية إدمان بقدر ما هي سعي حثيث لتحقيق بضعة أهداف، جميلة غالبا، من خلال تقديم مادة ممتعة وقابلة للقراءة، فالقراءة ليست أقل أهمية من الكتابة بل تتجاوزها أحيانا.
أكتب لأنني وجدت في الكتابة نفسي، وتشكل من خلالها وعيي. فلا يجوز مثلا استمرار الكتابة عن الكوارث التي تسببت بها قضايا الفساد السياسي، أو الإداري، ثم يدان كاتب هذه المقالات مثلا في قضية رشوة لموظف عام، فالكتابة حصنت أخلاقي بدرجة كبيرة، وربما كنت من غيرها أقل التزاما بموضوع الأخلاق!!
شغفي بالكتابة يتزايد ومعه تتزايد مخاوفي من اليوم الذي لا أستطيع فيه أن أكتب، إما لعجز في الفكر أو السمع والبصر، أو حتى لاحتمال فقدي لما يكتنف ضلوعي من حماس وشهية للكتابة بسبب حادث أو تهديد أو حتى كلمة من هنا أو هناك، وستكون تلك اللحظة مفصلية، وستعني بداية التوقف عن حب الحياة!
بينت في أكثر من مناسبة أنني لست بالكاتب المحترف، ولا حتى قريب من ذلك، فأنا أساسا مصرفي الخلفية، تجاري الهوى، ولم أصبح كاتبا يوميا، منذ ثلاثة عقود، إلا بمحض الصدفة وبسبب ما كان يدور، أو بالأحرى، ما كان يغلي برأسي من أفكار، كنت ولا أزال أعتقد، أن هناك حاجة لسكبها في قالب مقال أو رواية. لكن ما يجعل عملية «خلق مقال» صعبة بالنسبة لي كمن ولا يزال يكمن في عدم تمكني من اللغة، بما يكفي، فلا علاماتي المدرسية في اللغة العربية ولا خبرتي العملية وتخصصي الدراسي كانا ينبآن يوما بأنني سأكون كاتب مقالات، لكن هذا ما حصل، وزاد على ذلك بحيث أصبحت المواضيع أو القضايا التي أود الكتابة عنها، أكثر مما بإمكان القبس نشره، فتراكمت المقالات في كومبيوتري وفي ذاكرتي، ضاغطة ومتوسلة تريد الخروج لفضاء النشر الواسع. كما أن كتابة المقال تتعبني، وغالبا ما يستنزف مقال ما كل طاقتي، وتشعرني كتابته بالتوتر والقلق، لأكتشف عند نشره أن أعداد من قرأوه لم يستحق نصف ما بذلته من جهد في كتابته وجمع مادته. ويحدث العكس أيضا عندما أكتب مقالا «أي كلام»، وأفاجئ بالعدد الكبير الذي أعجب به، من خلال أرقام الجريدة التي تبين عدد قراء أي مقال أو خبر، وأعداد من يتصلون، بمختلف الوسائل، مبدين إعجابهم به. علما بأن من يقرأ المقال لا يكترث عادة لحجم المعاناة التي مر بها الكاتب، وكنت أستغرب من ذلك، إلى أن اكتشفت أنني لست بأفضل منهم، فلم أكترث يوما بما سبق أن بذله غيري من جهد في كتابة مقال أو بحث.
سألت نفسي يوما؛ لماذا ولمن أكتب؟ وجدت أجوبة عدة، وكان أكثرها أهمية، بالنسبة لي، أنني أكتب لنفسي!
أحمد الصراف