أسئلة مير رحمن (2/2)
يقول مير: أنا لا أحاول هنا الدفاع عن سعي إيران لامتلاك سلاح نووي، ولكني أتساءل: لماذا تتجنبون النقاش العلني في هذ الموضوع، وهنا في هارفارد بالذات، وبحضور إيراني؟ وأنا لا أقول إن مساعداتكم السخية لإسرائيل، إضافة لمجموعة من الأنظمة الدكتاتورية والإسلامية غير الشرعية، يجب أن تتوقف، ولكني أتساءل لماذا لا يوجد نقاش لمدى هذا الدعم وتكلفته على أميركا والعالم؟
والحقيقة أنني في أوقات كثيرة أشعر بأن أميركا، من منطلق أدبي ورغبة في الإصلاح السياسي، وليس بالضرورة الأيديولوجي، تتجنب التصدي لقضايا سياسية حقيقية، وأشعر بالفضول عندما أرى ميل وسائل الإعلام الاميركية لتصوير الاشتراكية ككلمة سيئة، لا تقل سوءا عن الشيوعية، وأنا لا أقول إن أميركا، كالدول الصناعية المتقدمة الأخرى، يجب أن توفر العناية الطبية مجانا لمواطنيها، ولكني أتساءل: لماذا لا يوجد نقاش في وسائل الإعلام عن الفرق بين الاشتراكية والشيوعية؟
وأنا لا أحاول الإيحاء بأن أميركا ما كان يجب أن تنفق ثلاثة تريليونات دولار على الحرب في العراق وأفغانستان، ولكني أتساءل: لماذا لا يوجد نقاش علني عن العائد من الحروب؟
وأنا لا أسأل لماذا لدى أميركا أعلى نسب قضايا المحاكم، وعن إيمانها الصلب بنظامها المحاسبي للمخطئين، ولكني أتساءل: لماذا لا تقومون بمحاكمة أولئك الذين تسببوا في حرب «غير عادلة» في العراق، والتي نتج عنها موت الملايين؟!
وأنا لا أقول إن على المواطن الأميركي العادي أن يعرف عن كل زاوية في العالم، ولكني أتساءل: من المستفيد من كون الأميركي الأكثر جهلا بما يجري من حوله في العالم، وبلده هي رائدة العولمة؟
أنا لا أقول إن النظام السياسي الأميركي توقف في أن يكون النظام الأمثل في العالم، والذي يمثل العدالة والكفاءة، ولكني أتساءل عن سبب حاجة برلماني اميركي مثلا، لأن يجمع ما بين عشرة إلى 30 مليون دولار لتمويل حملة إعادة انتخابه؟
وأنا لا أقول إن واشنطن يجب ألا يكون بها 40 ألفا من العاملين في لوبيات تسويق قضايا الدول والجماعات والشركات لدى الكونغرس، والذين ينفقون عادة 4 مليارات دولار سنويا، ولكني أتساءل: لماذا لا يكون هناك نقاش عن سبب عدم «رؤية» فساد في أميركا؟ هل لأنكم قمتم بتشريع وتقنين معظم حالات الفساد والرشوة؟
إن هدفي هنا هو أن أثير لديكم الرغبة في السؤال، وليس إثارتكم. قد لا نتفق على الأجوبة، ولكن أتمنى أن تتفقوا معي على ضرورة طرح الأسئلة!
لقد آمن جدي بتقاليد أميركا العريقة في طرح السؤال، وأنا أؤمن بأن الحلول ستأتي من خلال هذه التقاليد نفسها. وفي النهاية أترككم بسؤال أخير مستوحى من سؤال للراباي «هيللي»: إذا لم يكن هنا، في هارفارد، فأين إذاً؟ وإن لم يكن الآن، فمتى؟ وإن لم نسألكم أنتم، فمن؟ انتهى!
لو تمعنا في هذه الأسئلة العميقة التي تمسّ العصب الأكثر حساسية في الجسد الأميركي الذي أصبح مثخنا بالجراح، لوجدنا أن عظمة الأمم تكمن في قدرتها على تقبل طرح مثل هذه الأسئلة من أي كان، وأن تعمل على إصلاح أوضاعها في نهاية الأمر. ولكن هل بمقدورنا طرح مثل هذه الأسئلة في مجتمعاتنا؟ وهل نتوقع إجابة عنها؟ ألا نحتاج إلى عقد مؤتمر وطني بعيدا عن برلماننا المتخلف، لمناقشة اوضاعنا المأساوية التي ليس من الصعب ملاحظتها؟ ألا نستحق إدارة أفضل من الحالية، والتي قام جناح منها بتقديم طلب للأمم المتحدة لإصدار تعهّد يدعو إلى احترام الأديان، وقام جناح آخر ـ معين من قبلها في غالبيته ـ برفض طلب تخصيص موقع كنيسة في الكويت؟