الرشاقة و«اللماذات»
نصفُ حكوماتنا بـ«الرشيدة»، والأفضل، في ظروفنا، أن تكون «رشيقة». فالحكومة شخصية معنوية لها كيان، وهي كالإنسان، فرشاقة الأخير تعني قلة أمراضه ومرونته وقدرته على الحركة السريعة، وقدرته على الولوج إلى أصعب الأماكن والخروج منها بسهولة. كما يسهل عليه اختيار المناسب من اللباس، والعمل لساعات أطول، والاكتفاء بلقم غذاء صغيرة، ويتجنب التخمة، لكن حكوماتنا لم تكن يوماً، منذ وعيت، بمثل هذه المواصفات، بل كانت دائماً أقرب للترهل والوزن الزائد، المتمثل في الصلاحيات الواسعة التي أعطيت لها، وجعلتها مهيمنة على كل أمور الدولة، ولذا فشلت دائماً في تحقيق المرجو منها، لأن أيديها ممتلئة بالكثير من المهام والصلاحيات، وأكتافها مثقلة بإدارة عشرات الوزارات والأجهزة والمجالس والهيئات والشركات، وضيق وقتها، ومهامها التشريعية الأخرى، دفعها إما لتأجيل البت في مئات القرارات الحيوية، وإما لسلقها بطريقة خاطئة، فأصبح «المؤقت» هو «الدائم»، ولم يكن غريباً بالتالي تصاعد عدد الجهات الحكومية، التي لا يعرف من يديرها، بالأصالة! فلماذا تشغل الحكومة نفسها أصلاً بكل هذه الأمور، خاصة أنها، بشكل عام، مدير عمل فاشل، وليس من مهامها امتلاك عقلية تجارية، بل تسهيل العمل التجاري ومراقبة الأداء، ومنع الاستغلال وسن النظم وإصدار القوانين، وسن التشريعات، بالتعاون مع المجلس، وليس تأجير الأراضي والمحال وبيع الشوكولاتة والمرطبات!
* * *
لكي ينطبق وصف «الحكومة الرشيقة» على حكومتنا، فإنها مطالبة بأن تتخلى عما يثقل كاهلها من أعباء أثقلت حركتها، بحيث أصبحت أكثر ميلاً لإطالة الإجازات، مع الإصرار على إدارة كل صغيرة وكبيرة في البلاد.
من أسباب ترهل الجهاز الحكومي رغبة الكثير من «المنفذين» خلق أجهزة حكومية ليستمتع من «يعز» عليهم بإدارتها، والأمثلة أمامنا. فما حاجتنا لهيئة مترهلة وضخمة لطباعة القرآن، وهي التي لم تطبع نسخة واحدة طوال 13 عاماً؟
ولماذا تأسست هيئة الطرق بصلاحيات لا يمتلك مثلها أي جهاز طرق في العالم، ليدفع ذلك وزيرة الأشغال، السابقة، لتجميد كل صلاحياتها الواسعة!
ولماذا لدينا شركة تموين، وشركة مطاحن الدقيق الكويتية من صميم عملها إنتاج وتوزيع المواد الغذائية الضرورية المدعومة؟
ولماذا لدينا وزارة إعلام، ووكالة أنباء في عصر ليس بحاجة للاثنتين، وبإمكان أجهزة صغيرة القيام بالضروري من أعمالهما باقتدار كبير؟
ولماذا لدينا وزارة مواصلات أو اتصالات وهيئة اتصالات؟
ولماذا تمتلك الحكومة وتؤجر كل أراضي التخزين والصناعة والزراعة والماشية، وأعدادها بعشرات الآلاف، علماً بأن كلفة إدارتها ربما تزيد على إيراداتها، وحتى لو كان العكس هو الأصح، فهذا ليس دور الحكومة أساساً!
ولماذا تدير الدولة قطاعات الكهرباء والماء، والاتصالات الهاتفية وغيرها، فهذا ليس عملها؟
ولماذا سمحت الحكومة بتحوّل جهات، كالأوقاف، إلى هذا الحجم الضخم الذي أصبحت عليه، مما تسبب في إرهاق النيابة بقضايا مسؤولين فيها؟
ولماذا على الحكومة تعيين أعضاء مجالس إدارات الشركات المساهمة، التي لها حصص ملكية فيها، وهو عمل يعود للجهات الاستثمارية؟
ولماذا لا تحتفظ الدولة بعدد صغير من المدارس، وتحول عملية التدريس للقطاع الخاص، وتتفرغ لمراقبتها، فهذا هو ما يجب أن تتقنه.
ولماذا ترهق الحكومة نفسها بكل هذا الحجم الضخم من الخدمات الطبية، وهي التي بمقدورها التوسع في تحويل المهمة للقطاع الخاص، الذي أثبت قدرة كبيرة على منافسة الحكومة في تقديم خدمات طبية أفضل؟
هناك الكثير من «اللماذات» التي لا يعرف أحد كيفيات الإجابة عنها، ونتمنى على الحكومة القادمة الاهتمام ببعضها.
أحمد الصراف