المرأة واللعيبي في مجتمعاتنا
تجهل أغلبية الشعوب ثقافات غيرها، وهذا ليس عيباً، فهي معنية أساساً بمعرفة رموزها، وعلمائها، وقادتها والفخر بتاريخها. وبالتالي ليس هناك داع للاستغراب من عدم معرفة الأميركي مثلاً بموقع الكويت، أو اسم عاصمة مصر، فهذا ليس من اهتمامات الشعوب الأخرى.
ما هو مستغرب هو استمرار ضعف مناهجنا، وتركيزها على الأمور الدينية فقط، وتجاهلها، شبه الكامل، للتراث الإنساني، ودوره المحوري في حضارتنا الحالية، فالمناهج، ولأسباب عدة، خالية من ذكر سير عمالقة من أمثال آينشتاين وأفلاطون وأسحق نيوتن وفولتير، وسيدات عظيمات مثل ماري كوري عالمة الفيزياء، والوحيدة التي حصلت على جائزتي نوبل في مجالين مختلفين، وروزاليندا فرانكلين عالمة الفيزياء الحيوية، صاحبة الدور الأكبر في فهم تركيبة الـdna، وفلورنس نايتينجيل رائدة التمريض الحديث، وأميليا إيرهارت الكاتبة ورائدة الطيران، وغيرهن الكثير.
كما يلاحظ عدم وجود شارع، أو حتى زنقة باسم أية سيدة كويتية أو عربية، فما السبب وهناك شوارع بأسماء «إرهابيين»، ونكرات، فضل بعضهم هو أنهم.. ماتوا؟
كما تكاد تخلو مناهجنا من سير علماء «دار الإسلام» الأفذاذ، الذين تدين الحضارة الغربية لهم بالكثير، ومع هذا تجاهلناهم، بعدما أشيع، حقاً أو باطلاً، بأن أغلبيتهم قتلوا أو عذبوا لمواقفهم السلبية من التشدد الديني. فلماذا توقفنا عن إطلاق أسماء ابن رشد وابن عربي وابن سينا والفارابي وابن الهيثم وابن المقفع وغيرهم على الصروح العلمية والمستشفيات، وحتى مختبر مدرسة أو جامعة؟ ولماذا لم تكتف دولنا برفض إعطاء هؤلاء ما يستحقون من أهمية وتكريم، في الوقت الذي تضع الدول المتقدمة تماثيلهم أمام مباني الجامعات والمختبرات، وتطلق أسماءهم على ساحات ومبان طبية وعلمية، وتدرّس علومهم في جامعاتها، منذ قرون!
كما نقف شبه منفردين في طريقة تعاملنا «المهين» مع المرأة، ولم يكن غريباً ارتباط ذلك التعامل بتخلفنا الفكري والصناعي والتجاري، وقبلها التعليمي والأخلاقي. وجاهل من يعتقد أن الأخلاق ترتبط بالأعضاء التناسلية، فالأخلاق أعمق وأكثر تعقيداً من ذلك، ويستحيل معرفة عدد الفتيات والنساء اللاتي لقين حتفهن لمجرد وشاية تعلقت بسوء الخلق، وهذا حدث طوال تاريخنا، وما زال يحدث، وتقف القوانين عاجزة عن توقيع العقاب العادل بحق الجناة، بل تترفق بهم، وغالباً ما يخرجون من السجون طلقاء، وتيجان «الشرف» تكلل رؤوسهم!
يستحيل، بالمطلق، ومن دون أية استثناءات، أن تقوم لأمة قائمة، وهي تنظر للمرأة وكأنها الشيطان، وتعاملها بطريقة مهينة، وتنظر لها كأداة غواية يجب الحجر عليها، وفي هذا تقول الفنانة التشكيلية العراقية عفيفة لعيبي، بتصرف، في مقال يعود لسنوات مضت:.. ما يناسب المرأة في العصور الغابرة لا يناسب المرأة في هذا العصر، فأنا لا أعتبر نفسي ناقصة عقل، ولست عورة، ولا نجسة كالكلب الأسود، فأنا أمكم وأختكم وابنتكم، فكيف تقبلون وصفي بهذه الصفات القبيحة؟ ولست أقل أهمية من الرجل، ولست نجسة، ولست بلا إحساس.. ولا أرضى أن أغطي وجهي وكأنني أخجل منه، ولست ضلعاً أعوج، ولست دابة ولا علامة شؤم. ولا أدري لماذا أصوم وأصلي وأحج وأؤدي كل العبادات، وحينما أموت وزوجي غير راض عني أدخل النار؟.. ولا أدري لماذا تنزل علي اللعنات إن نتفت شعرة من حاجبي، أو لبست الباروكة؟ ولماذا لا تدخل الملائكة منزلي إن كشفت شعري؟ لماذا، مع كل هذا الاحتقار للمرأة، والانقاص من آدميتها، وتفضيل الرجل عليها، واعتباره أكفأ وأعقل، وأعلى منها بدرجة، وهو الوصي عليها والمسؤول عنها، لكن حينما تخطئ فإنها تنال عقوبة الرجل نفسها.. أو أكثر؟
أسئلة كثيرة تحتاج إلى مجلدات للإجابة عليها.
أحمد الصراف