المكابرة والتردد.. التي خرّبت بيوتنا
المبدعون في العالم قلة نادرة، لهذا نسعى ونتكلف لسماع جميل ألحان الموسيقيين منهم، والاستمتاع بلوحاتهم، والتمعن بتماثيلهم، وقراءة ما صاغته أقلامهم... من جانب آخر تتقن الغالبية ملاحظة عيوب وهفوات هؤلاء، سواء في اللحن، أو الرسم، أو الرواية أو المقال، مع عجزهم التام عن الإتيان بشيء، ولو قريب، من الإبداع، فالنقد سهل والإبداع صعب!
هكذا الحال مع كل أمور الحياة، ومنها حكومتنا الجديدة. فكل من انتقد شيئاً فيها، رأى العيب، لكنه عجز عن أن يأتي بأفضل منها. فنحن، بشكل عام، نحب البعض ونغرم بآخرين، ونميل لغيرهم، أو نتجنب البعض ونبغضهم، لأسباب لا حصر لها، وغالبيتها غير منطقية، فأهواؤنا والكيمياء كان لهما دائماً دورهما في قرارات الحب والبغض!
* * *
من غير المنطقي إطلاق أوصاف سلبية متسرعة على الحكومة، خاصة أن غالبية الانتقادات تقف خلفها جهات معروفة، فليست لدينا ضمن معطيات الأمة، حكومة ولو قريبة من المثالية، فنحن دولة من العالم الثالث، وحكومتنا الحالية هي الأفضل. فإذا كانت هذه «نقاوة اليد» أو الاختيار الراشد، بنظر البعض، فما رأي هؤلاء بنتائج «المخامط»، أو اختيار الجملة (مخرجات صناديق الانتخابات)، حيث الاختيارات أقل رشداً بكثير؟.
في ظل هذا الوضع، المتمثل في حكومة بعيدة عن المثالية، ومجلس أمة متواضع الكفاءة، وبوجود هذا الكم الهائل من القضايا التي تتطلب، مجتمعة، الاهتمام الفائق بها، ووضع العلاج الصحيح والفعال لها فوراً، ومنها على سبيل المثال، إصلاح الاختلالات الاقتصادية، تعديل التركيبة السكانية، انطلاق المشاريع الإنشائية، تقليل الاعتماد على النفط، تعيين القياديين من ذوي الخبرة والكفاءة، الاهتمام بقضايا الشباب، تنويع مصادر الدخل، تعزيز دور القطاع الخاص، حماية الأموال العامة، التحول الرقمي، تعزيز السياسة الخارجية، وضع حل نهائي لمشكلة البدون، الحد من خطورة الأحزاب الدينية، وعصرنة التعليم، ترسيخ الوحدة الوطنية، وغيرها الكثير، وغالبيتها، إن لم يكن كلها، لا علاقة للمشرعين بها، والاهتمام بها من صميم عمل السلطة التنفيذية. ولكون جميع هذه الأمور صعبة الحل، وبحجم الجبال وبحاجة لقدرات هائلة لا يمكن لأية حكومة «كويتية» أن تتصدى لها بسهولة، على ضوء ما هو متاح من وقت للوزير، مع انغماسه في البروتوكولات والتواقيع والمكاتبات، وحضور الجلسات، فما يبقى لديه لا يكفي لا للتفكير ولا للتخطيط، وبالتالي ليس أمام رئيس الحكومة غير اللجوء لمثل ما لجأت له الدول الأخرى، شقيقة وصديقة، من خلال الاعتماد «خبرات أجنبية متخصصة» مطعمة بكوادر وخبرات محلية، تكون مهمتها وضع الخطط والرؤى لمشاكلنا المستعصية، وبالذات التعليم والاستثمار. فنحن، وكل دول العالم الثالث، بلا استثناء، وبصراحة تامة، نفتقد للخطط السليمة والصحيحة، ونفتقد أكثر للقادر على وضعها، والأهم من ذلك للراغب، أو القادر، في اعتمادها وتطبيقها... فوراً!!
نعيد ونكرر الضرورات الثلاث:
خبرة أجنبية عالية القدرة.
خطط علمية عصرية، ولو لعدد من مشاكلنا المستعجلة.
رغبة قوية، وقرار فوري بوضعها موضع التطبيق.
* * *
الوقت ليس في مصلحتنا أبداً، فقد سبقنا الجميع تقريباً، ونجحوا في قطع مراحل صعبة في أشهر قليلة، بدلاً من عقود، وبين هذه الدول من لم تكن لديها ما لدينا من إمكانات، وقامت باعتمادها على الخبرات الأجنبية وعلى سرعة اتخاذ القرار، لعلمها التام بأن الوقت كالسيف، إن لم تقطعه.. قطعها.
الخلاصة، إن كابرنا، واخترنا الاعتماد على قوانا الذاتية، فلن نحقق شيئاً، وسنبقى، حيث نحن، في ذيل الأمم المتخلفة.
أحمد الصراف