وليد النصف.. في عيون صديق
بدأت معرفتي بالأخ وليد النصف، رئيس تحرير القبس، عام 1999، بعد فترة قصيرة من توليه رئاسة التحرير.
لسبب ما قمت بدعوته، وكبار مساعديه، لتناول الغداء في بيتي. بعد اعتذارات متكررة، اكتشفت سبب التردد، فقد حضر الغالبية فقط لرغبتهم في عدم إحراجي، لأن العزيمة ستنتزعهم، دون قصد مني، من أعمالهم، فجاؤوا بأجسادهم، تاركين عقولهم وأفكارهم في الجريدة، هكذا حياة الصحافة، قلق مستمر، وعمل لا ينتهي.
تكرر لقائي بأبو عبداللطيف في الجريدة، سواء بناء على دعوته، أو عندما كانت تأخذني قدماي لمبناها، ولمرات تقل عن العشر، على مدى أكثر من ثلاثين عاما!
حظيت من القبس دائما بمعاملة كريمة، وكانت بيني وبين الأخ محمد الصقر، رئيس التحرير السابق، مودة جميلة، ولا تزال، وانتقلت المودة للأخ وليد النصف، ولا تزال على قوتها واحترامها.
* * *
استمتعت قبل أيام بمشاهدة مقابلة للأخ وليد مع الزميل السعودي عبدالله البندر، «قناة مخيال»، فاكتشفت جانبا كان خافيا من شخصيته الثرية، وتجاربه العملية، وسعدت لوجود بعض المحطات المشتركة بيننا، مع الاحترام لاختلافاتنا الأخرى، فنحن أبناء جيل واحد، مع تقارب أعمارنا (1945 / 1947) وفريج واحد. كما تعلمنا معاً من شخصيات كبيرة، هو أثناء عضويته في مجلس إدارة البنك الوطني، وأنا كمدير، وتاليا كعضو في مجلس إدارة بنك الخليج. كما مارست وأياه، كل في زمانه، مهمة منح القروض والتسهيلات لعملاء البنك، والمساعدة في جمع التبرعات للمعسرين. إضافة لذلك تعلمنا معاً، في مراحل مختلفة، في الجامعة نفسها ببيروت، وتأثرنا معاً بمناخ لبنان، بشكل أو بآخر.
أحببت في الأخ وليد تواضعه، بالرغم من مكانته ونجاحه في أعماله، وانتمائه الأسري، حيث لم يتردد، وهذه من صفات الكبار، في الحديث عن ظروف معيشته، وأسرته وهو صغير. كما ذكّرني كلامة ببراد الكاز، الثلاجة، التي كانت لديهم، وكان لدينا مثلها، وربما من نوعية رديئة، فقد كنت أرفض شرب الماء البارد والنادر منها لحساسيتي من رائحة الكاز فيه.
كما ذكّرني وصفه لبيت وديوانية النصف التاريخية، ببيت جدي الصغير بغرفه الطويلة والقليلة العرض، وعلمت منه أن سبب عرضها المحدود كان يعود للطول المحدود لخشب «الجندل» الذي كان يستعمل لحمل الأسقف، التي كانت أطوالها محددة بثلاثة أمتار. كما كان في بيت جدي، الذي كنا نشاركه فيه، ديوانية صغيرة بها مكتبة مليئة بالمجلات المصرية واللبنانية وبعض الكتب البوليسية، وخلفها يقع حوش الغنم، وبيوت الدجاج.
ذكر الأخ وليد أمرا طريفا في المقابلة من أن تقديم الشاي في الديوانيات المعروفة كان معيبا، ولم يتغير الوضع إلا تدريجيا مع منتصف الخمسينيات. وسبق أن ورد في مقابلة مع المرحوم محمد أحمد الغانم، أن أول من أحضر الشاي للكويت هم الكويتيون من أصول إيرانية من مختلف مشاربهم، وسبب ذلك أن القهوة لم تكن متوفرة حتى اليوم، في المناطق التي سبق أن قدموا منها.
ثم تطرق الأخ ابو عبداللطيف لحادث سير وقع لابنته في أمريكا، وكانت على خطأ، فعرض إصلاح السيارة المتضررة، لكن صاحبها، العربي الأمريكي، رفض العرض، بعد أن عرف جنسيته، وطلب بدلا من ذلك أن يرسل له شريطي مسرحيتي «باي باي لندن» و«على هامان يا فرعون». ودلل الأخ وليد على روايته بقوة تأثير الكويت الثقافي في شعوب كثيرة، حينها، وكيف كان ذلك أقوى من كل أموالها. روايته ذكرتني بحادثة مشابهة حصلت في هونغ كونغ، حيث كان يعيش رجل أعمال سوري ثري، وكان ذلك قبل أربعين عاما. عرضت عليه هدية قيمة، لقاء خدمة قدمها، لكنه رفض وطلب فقط، وهو الأرمني الأصل، أن أرسل له أشرطة مسرحيات الفنان الراحل «عبدالحسين عبدالرضا»!
كما أتفق تماما مع الأخ وليد فيما ذكره عن كرم اللقاء والضيافة الذي لقيه من لجؤوا للسعودية، عندما تعرض وطننا للاحتلال البغيض، وكنت أحدهم، وأشهد وأسرتي أن مفاتيح البيوت الكبيرة كانت تعرض علينا، وكانوا يرسلون لنا القهوة والتمر والحلويات كل ليلة لفندق الشيراتون، حيث كنا نقيم، وبالتالي لن أنسى ما حييت رائع معاملتهم.
مقابلة أبو عبداللطيف بأول حلقتين كانتا ممتعتين وتميز المقدم بحسن إدارة الحوار وعدم المقاطعة وإتاحة الفرصة للمتحدّث بالانطلاق بحريته وهذه من علامات الاحترافية العالية للزميل البندر ، وأنا على ثقة أن بقية اللقاءات ستكون بنفس الأهمية والإمتاع.
أحمد الصراف