إيقاف المركبات في سلم الأولويات
بشكل عام، تعتبر شعوبنا الأكثر معاداة للنظام الغربي، المتمثل في أمريكا بالذات. وقد انتشرت على وسائل التواصل نتيجة استبيان تخيلي، لكن قريب من الواقع، تضمن سؤالين تم توجيههما لطلاب جامعات عربية، كان الأول: هل تحب روسيا أو أمريكا؟ وجاء الجواب حاسما بنسبة %90 لمصلحة روسيا!
أما الثاني فكان: إذا عُرضت عليك تأشيرتا سفر وإقامة لروسيا أو أمريكا، فأي البلدين تختار؟ وكان الجواب %100 أمريكا!
لكن، لو عرضنا على شخص مريض دواء من إنتاج أمريكي وآخر من إنتاج روسي، لاختار الأمريكي، ولو كان مقابل مبلغ قادر على دفعه!
هذا التضارب في الشخصية الشرق أوسطية، أو العربية بالذات، شكل حيرة للكثيرين، وسبق أن رأينا ما يماثله خلال معركة احتلال الكويت وتحريرها، حيث وقفت غالبية الشعوب العربية ضد الكويت، وهي الدولة الصغيرة والمسالمة، التي لها يد خيِّرة على الكثيرين، واختارت الوقوف مع طاغية معتد، لم يسبق أن تلقوا منه يوما فلسا أحمر!!
هناك أيضا مواقف مماثلة ومؤشرات تتضمن تناقضات حادة، لكنها غالبا لا تثير اهتمام أحد، على الرغم من خطورتها، ففي مثال صارخ قام النائب محمد هايف بمطالبة وزارة التربية بالاستعداد للعودة للمدارس، وتجهيز أماكن الصلاة فيها!
لا هو ولا الوزارة المعنية اكترثا إلى حقيقة ان تنفيذ الطلب يعني ضرورة القيام بتنظيف مكان إقامة الصلاة، وتجهيزه بالفرش اللازم، ومن بعدها رفعه، بعد انتهاء الصلاة، ووضعه في المكان المخصص. وتنظيف الحمامات نتيجة قيام مئات الطلبة بالوضوء.
لكن لا النائب ولا الجهة المعنية اكترثا بمن سيقوم بهذه المهام، بل اهتما فقط بأداء الطلبة للصلاة، وتركا القيام بالأعمال أعلاه، وهي المهمة والأكثر خطورة على تربية النشء، على العمال والفراشين، ولم يجعلا للطالب دورا في تجهيز أماكن الصلاة أو العناية بنظافتها، بل كل ما هو مطلوب منهم كسب الأجر، وترك بقية الأمور للعمال «الأيانب»، مكرسين حقيقة أننا شعب مؤمن بأداء الطقوس، لكنه غير مؤمن بأداء الواجبات، حتى لو كانت ضرورية لأداء الطقوس!!
* * *
هناك أيضا الموضوع الذي سبق أن كررنا الكتابة عنه، المتمثل في عدم احترام نسبة كبيرة من المعزين والمصلين لآداب الطريق، وأصول ركن السيارة، فنجدهم لا يترددون في إيقافها في الأماكن الخاطئة، أو في إيقافها خلف مركبات الغير، بحيث يمنعونهم من الحركة لحين عودتهم!! فكيف يقبل هؤلاء البشر على أنفسهم الذهاب لأداء واجب ديني، وتعمد إقلاق راحة الغير، وربما عمدا؟
لا شك في أن الشعب الكويتي شعب متدين، وله حضور في كل المناسبات الدينية، وتنتشر المساجد في كل مكان يريده، حتى في الدوائر الحكومية وغيرها، ولكن هذا التدين لم يمنع نسبة كبيرة منهم من التلاعب في كشوف مكافأة الصفوف الأمامية، مثلا، وفي المساهمة في فضيحة بيع الإجازات التي بلغت 422 مليون دينار، بزيادة قدرها 122 مليون دينار. وتم كل ذلك على أيدي مسؤولين كويتيين، وقبض المبالغ، بغير حق مواطنون مثلهم! فكيف يمكن تفسير هذا التناقض، في التدين والحرمنة؟ السبب يكمن في أننا لم نحرص على جودة التعليم، وبالذات في الجانب الأخلاقي منه، فالتعليم الجيد، وتعليم الأخلاق ضمنه، هو الحل لكل مشاكلنا، لكن تعليم الأخلاق، بالذات، لا يقع حتى في أسفل سلم أولويات الحكومة، وهو ليس من ضمنها... أصلا!
أحمد الصراف