التجّار المجرمون والمقاولون المنحرفون
ترتفع، بين الفترة والأخرى، نغمة الهجوم على التجّار، بأنهم مصاصو دماء، وفاسدون ومنحرفون، وهم سبب الغلاء، وسبب كل ما يشكو منه الفقير. وهذا طبعاً ادعاء ظالم وغير صحيح، ولا يستند إلى أي دليل، ولم تمنع أية جهة من يمتلك دليلاً من أن يتقدم للجهات المعنية بشكواه. كما إن لا أحد منع غيره من بناء نفسه والعمل في التجارة، إن كان يعرف دروبها، ولا يعني ذلك أن التجّار والمقاولين، أو بالأحرى الذين يتعاقدون مع الدولة، سواء لتنفيذ مشاريعها أو تقديم الخدمات والمواد لها، هم من الملائكة، لكنهم مثلهم مثل غيرهم من أطباء ومهندسين ومدرسين ومزارعين، بينهم الطيب والشريف والعادل، وبينهم الفاسد والنذل والمحتال.
من طبيعة البشر أن يحسد بعضهم بعضاً، وكل منهم يريد امتلاك ما بيد غيره، ويقول المثل الأمريكي إن العشب في الجانب الآخر من السور يبدو دائماً أكثر اخضراراً it’s always greener on the other side of the fence، فعندما نذهب لمطعم شهير وننظر لما طلبه الآخرون من طعام نندم على خياراتنا!
* * *
لا توجد دولة، بخلاف الدول الغارقة في الشيوعية، ككوريا الشمالية، وإلى حد ما كوبا، لا توجد بها طبقة التجّار، فوجودهم والمقاولين ضروري، كأية فئة أخرى في المجتمع. والتجارة (أو التاجر) ليست لقباً محصوراً بفئة، بل هي مهنة مفتوحة لكل من يريد المغامرة بماله في مشروع ما، فليست هناك حدود دنيا لما يجب أن يمتلكه الإنسان ليصبح تاجراً. والكويت، كدولة ومدن كثيرة أخرى، توسعت واكتسبت مكانتها بجهود حكامها وتجارها، فالتاجر من غامر بماله وصحته، وركب المخاطر وأبحر واشترى وباع وتنقّل من ميناء لآخر، ومن بندر للثاني، ومن دولة لغيرها. وعندما تمت كتابة الدستور تم الاعتماد على التجّار أساساً في صياغة بنوده، وحضور الأسرة الحاكمة الطاغي، ومن ينكر ذلك هو إما حاقد أو غير عالم بتأريخ الكويت الاجتماعي والسياسي.
وإذا كان البعض يعتقد أن «تجار الكويت» مصاصو دماء، فالمسؤولية تقع عليهم، وليست على التجار، لأثبات صحة اتهاماتهم، وتقديم مصاصي الدماء هؤلاء للعدالة، فمن يشار إليهم بهذه الصفات كانوا دائماً أول من فزع، وأكثر من دفع من ماله لإغاثة المحتاج، القريب والبعيد، وشاركتُ وشهدتُ شخصياً ذلك عشرات المرات من خلال وظيفتي المصرفية، منذ منتصف الستينيات وحتى اليوم، وظالم ومتجن من يقول عكس ذلك، فتاريخهم المشرّف مصدر فخر لنا جميعاً، وإن كانت هناك فئة أو أكثر لم تشارك التجار أنشطتهم، ولم يكن لها دور اجتماعي أو سياسي واضح، فهذا ليس سبباً لأن يغار هؤلاء من التجّار ويكرهونهم، ويبخسونهم حقوقهم، والسعي لطمس حقيقة دورهم الذي تمثّل، ضمن أمور كثيرة أخرى، في إقامة مئات المشاريع الخيرية والثقافية والتربوية، ومنها المدرسة المباركية والأحمدية، أو التبرع لفلسطين والجزائر ومصر وغيرها الكثير، كبناء دور علم ومستوصفات ومستشفيات. أما التطرّق لحادثة ما، أو حتى لعشرة مثلها أساء فيها تجّار، سواء كانوا أصحاب سفن أو نواخذة، لغيرهم، فهي قصص تاريخية يحدث ما يماثلها في كل مجتمع، ولا تسري بالضرورة على الجميع، وعطاءات التجّار ماثلة أمامنا، ويعرفها من قرأ في التاريخ الحديث للدولة.
سبب كتابة هذا المقال يعود إلى تزايد نغمة الهجوم على التجّار، ووصفهم بصفات غير لائقة، خاصة خلال الحملة الانتخابية الحالية، ومحاولة البعض كسب بعض أصوات السذج على حساب سمعة غيرهم!
أحمد الصراف