الموضوع المكروه والمرهق
ترهقني وتتعبني، فكرياً على الأقل، الكتابة عن التربية والتعليم والأخلاق، ومع هذا تحصد مثل هذه المقالات أقل عدد من القراء، وغالباً ما تتناسى الأغلبية مضامين رسالتها المهمة، لميل النفس إلى تقبل السهل من الأمور، والمسؤولون لدينا لا يختلفون بالطبع عن غيرهم من البشر في طريقة تعاملهم السلبية مع المواضيع المقلقة، خاصة إن كان علاجها يتطلب «شيئاً» من التفكير والجهد الذهني.
خراب الطرق مقدور عليه، ويمكن إصلاح ما خرب منها، وخراب الاقتصاد يمكن تجنبه بعد فترة، وتعديل موازينه، وخراب الإدارة الحكومية يمكن تطويره بالأجهزة والأنظمة الحديثة، لكن خراب الأخلاق، بما في ذلك التربية والتعليم، لا يسهل أبداً علاجه متى ما تجذر في النفوس والعقول، وأصبح الغش والتدليس والتزوير والتخريب والكذب هي القاعدة، وهي التي نحصل عن طريقها على كل ما نريد! لذا زادت بيننا أعداد حاملي الشهادات الدراسية، العليا بالذات، المزورة وغير المعتمدة، والوهمية، وزادت نسبة من يغشون في الانتخابات، بدعم من قطاع كبير في المجتمع، وبمباركة من الوالدين، وزادت بيننا ظاهرة سعي، الأب غالباً، لاصطحاب ابنه الصغير أو المراهق، للمستوصف لاستخراج شهادة مرضية له، حتى لو كان في كامل صحته، ليعلمه كيف يكون غشاشاً وكاذباً!
فكيف لشعب يجتمع مئات الآلاف منه في العشر الأواخر من رمضان في المساجد، لأداء مختلف أنواع الصلوات، وفي خارجه يرتكبون عشرات آلاف المخالفات المسجلة رسمياً بحق مختلف الأطراف؟
كيف يمكن تفسير هذا التناقض بين كل هذا الانغماس في العبادات، الظاهرية منها بالذات، وكل هذا الخشوع في شهر عبادات كامل، وما يقابلة من اقتراف لكمٍّ رهيب من مخالفات قوانين الدولة وأنظمتها، والغش وارتكاب المعاصي والإساءة للدولة والأملاك العامة وأملاك الغير، بتعمّد واضح غالباً؟ وعندما يعرض في التلفزيون مسلسل يبيّن خراب البيوت، تحيل الجهات المعنية كل أطراف المسلسل من منتجين وممثلين للنيابة، وتزيد على ذلك بحرمان كل من اشترك في ذلك المسلسل «الأجنبي»، وقبل صدور حكم المحكمة بشأنه، من العمل في أي نشاط فني أو ثقافي؟ ثم ليقوم فريق بالتهديد، والتحرك السريع لرفع قضايا في المحاكم على كل من تعمّد الحط من قدر ممثلة في ذلك المسلسل، أو بطلته. وليتصدى لهم فريق آخر متعهداً بالدفاع عن كل من سترفع الممثلة قضية عليهم، بحجة أن ما ورد في ذلك المسلسل لا يمثّل حقيقة المجتمع الكويتي، النقي التقي الطاهر، علماً بأن لا شيء في ذلك المسلسل تعرّض لطريقة معيشة فرد أو أفراد معينين يعيشون في الكويت، ولا تطرق لأسلوب حياتهم، مع إصرار أطراف أخرى، تدعي تمثيل فناني الكويت، بأن «مجتمعنا» ليس به ما يتطلب تسليط الضوء عليه! وأن رسالة الفن تكمن فقط في إظهار الجميل وليس القبيح!
أحمد الصراف